نور تجلس دائما قرب النوافد ، هي  تحب الضوء وتخاف من العتمة، كنت تحب هذا الإسم لانك كنت تقول في كل إنسان قبس من  نور الله،  وأحببته  لأن امك كانت تطلقه عليك. فكنت تضع أذنك على بطني وتهمس : هي نورثمرة جنوني بك. 
لا أعرف من أين تأتي بكل هذا الشغف للكتب والمكاتب، وتكتب دائما في دفترها الانيق الأسود ذاك الذي أهديتها يوم عيد ميلادها الخامس عشر. هي تشبهك تماما ، نفس العينين السوداوين، وإستدارة الحاجبين الممتلأين نفسها، نظرتك، لون بشرتك القمحي، وشعر اسود ينسدل بعبث على عنفوان شبابها.
اليوم نور غاضبة لاني لم أصطحبها إلى المسرح، تحاول إقناعي انها تحب التمثيل وتريد مني أن أوافق على أخذها دروسا في المسرح ، إختياراتها دائما مربكة ، كيف لإبنتك أن تفكر بأن تكون ممثلة؟
لماذا تشجعها على كل هذا التمرد في مجتمع محافظ يقمع المواهب ويخندق النساء في خنادق لا يمكن الخروج منها، طبيبة، ممرضة، مدرسة، مهندسة، كلها مهن يباركها المجتمع و"العيلة " إلا التمثيل مازال حبيس أفكار بليدة، تضع الممثلات في خانة العهر أوتلك المرأة التي لا تحضى بالتربية والأصول  لترقى بها لرتبة سيدة المجتمع. نور لا تريد أن تكون سليلة تلك العائلة التي تتربع منذ أكثر من ثلاثين سنة على أبار النفط، هي مثلك لا تأبه بالثراء ولا تحب لقب الأميرات ولا قيادة سيارات اللوبورغيني . مازالت طفلة عفوية تحب الموسيقى وترقص على انغام ريتا فراكلين وتلبس سراويل الجينز التي بدأت فعلا تثير أنظار الشباب حولها. نور تقضي ساعات طوال مع إبنة السائق الذي يخاف أن أكتشف أنها تفضل رفقتها على بنات"العيلة "
لقد اخبرتها مرارا وتكرارا أننا لا نعيش في مجتمع يسمح بكل الحريات وعليها أن تحذو حذو بنات العائلات الكبيرة.  كان هذا الشيء يستفزها. يوم ثارت في وجهي قائلة : يا ماما في أي عصر تعيشين؟ نحن نعيش في زمن غير زمانكم ولا أريد أن أكون إبنة العيلة، أنا لا أشبههم ولا أريد أن أشبههم، الحرية تأخد ولا تعطى. يومها كاد أن يغمى علي، إنها تحمل جيناتك المتمردة، تتنفس بسارتر وكارل ماركس ولا يمككنى مناقشتها لأنها مقنعة بطريقة أو بأخرى. لم أتمكن يوما من تغيير قناعاتها كانت عنيدة عندما تعبر عن نفسها بنفس تلك الحدة التي جعلتني أغرم بك.
البارحة كتبت بحثا عن البصيري وكالعادة تحصلت على أعلى علامة في الفصل، كنت أحضر طبق الكسكسي فإذا بإعصار يهز المطبخ كانت نور ترقص بجنون وتدعوني لارقص معها لأنها كسبت الرهان ضد زميل لها وتحصلت ببحثها على أعلى علامة.
لا أعرف ماذا كنت ستقول وانت تراها تدور حولي كما درت يوما حولي في إسطنبول  كالمجنون و أنت تقول  انت مداري، وتوقفت برهة وحدقت بعيناي وهمست لي أحبك. يومها أدركت أن جوف الاقدار خبأك لي، وأنك نصفي المالح، فنزلت عن صهوة جواد حياتي الباريسية الممتلئة وركبت معك أمواج بحر بحث عن ذاتي الأخرى،تلك  التي قضيت عمرا كاملا أبحث عنها.
نور مازالت تعانق أرقي، لأنها إبنتك التي حلمت أن أحبل بها منك. 
نور هي ثمرة حب لو.......



Share To: