الحب جنون مبدع, لكنه في جنون الإبداع أكثر روعة وبهجة, وهو يأتي كطائر خرافي, يرفّ بجناحين, جناح الشعر وجناح النثر وثالثهما لا يُرى.
للحب علاقة بالغة الود مع الطير, وبينها ارتباط حميم, وقد عبّر عن هذا العلامة ابن حزم في أروع كتاب يؤرخ للحب وهل من عبث أطلق على كتابه "طوق الحمامة"
.......................
لعينيك ِأبراجُ روحي مُقامة
و فيها ترفرفُ مثل حمامة
تعبّئُ منقارها من حشائش
نبضي, وتشربُ دمع الغمامة
تحلّقُ في جسدي في الحياةِ
وفي الموتِ يطوي عليها عظامه
..........
حقاً الحب جنون مبدع, ولكنه في الإبداع , أكثر بهجة وروعة, نثرٌ وشعر, جناحي الحب المبدع, وثالثهما لا يُرى, لكنه يكدّ ويكدح في أحاسيس المحب العاشق المجنون, نثرٌ وشعر, ومن مفكك الحروف
تنبجس الينابيع, ويهيج في حقول القلب والروح الربيع, ربيعٌ جسده السندس وسقفه اللازورد.
"نون" النثر, نوم الصحو في ممر الحديقة, رؤى تركض في المنحنيات, كون فردي بذهنيته يتجاوز الكون الجمعي ببصريّتهِ.
"ثاء" النثر, ثبات على شفار الحنين ومقصلة الشوق, برق يخطف الأبصار ويؤثث بها عيون العاشقين.
"راء" النثر, روح الكائن الأولي, تشظيها وتفتتها على مقدار الكون الفردي الذهني, فيحدث الإبصار, وقد سُرّ من رأى.
"شين" الشعر, شرف النقاء والصفاء في بحيرة الحب, حدقْ هنا ترى ما لا يُرى, ترى نفسك, ولكن بعيداً عن "نرسيس" النرجسي مانح النرجس اسمه المعطر.
"عين" الشعر, إبصار الرؤيا النائمة وتكبير الرؤية القائمة, لا تحدق كثيراً, فهذا يكفي ليسرّ من يرى.
"راء" الشعر, روح أخرى للكائن الجميل.
...........
يجيء ابن ُحزمٍ كما يشتهي الحبْ
يمنح قلبي الهديل ٓولا يكتفي
يطوقني ريشها بالندى خارج السربْ
وتمنحني ما أحب ُّولا تختفي
..........
يطوقني الحبُ من كلِّ صوبْ
فكيف الهروب إذن ..كيفْ
ويا قلبُ, كنْ كما أنت قلبْ
ينابيعُ حبكَ مبللة بألوان الطيفْ
.......
شوق ملأ حيز القلب وطفا على الشفتين... كلامٌ ساحرٌ يُروّض العصفور والوردة والغمامة.
هو الحب, نافذة الروح الوحيدة وشرفة القلب, كائنان في كائن.
ومن يروّض من!
صراع حميمي بين الأنا وكائنات مدارها.
ومن يتبع من !
كلُّ مدار للآخر, وثمة نقطة جذب متبادلة, فيض متبادل يتمازج في المنتصف, رحيل عن المكان وتوطّن واستيطان في الشعور, أرضه اللهفة والحنين وفضاؤه الامتلاء بالحبيب.
.............
سأخرج مني .. لأتبعكْ
سأخرج حتى أكون معكْ
أنا لستُ فيّ
أنا ياحبيبيَ في أضلعكْ
فنبضيّ ماءٌ
وروحي ترابٌ
وما لي سوى مهنةُ واحدة
مهنتي الخالدة
يا حبيبيَ.. في القلبِ
وفي الروحِ أن أزرعكْ
.........
كالظبي الجائع أرعي في بساتين تراتيلكِ , وأنام تحت أشجارها الخضراء, وأغفوا في الظلال , صوتك يهتف بي: تعال , وأحبو كطفل صوبك ..أمشي على صراط البرتقال, حمامةٌ الزرقاء أنتِ وحقل قرنفلٍ أنت ِ.. وأنتِ سنابل نبضي, سمائي وأرضي, منديل روحي المخملي, كل هذا .. وإنت ِفي دمى نكهة الفلفل ِ.
مقدسة حروفي لمجرد أن همست بها شفتان من كرزْ, ردي عليّ أيتها السيدة ,حنيني أليك مزّق الأوردة .
معلقة شعرية أنت على جدار الروح , من يقرأها في خرسه يبوح.
في دائرة العشق أرانا نحفر برموش العين نافذة لهوانا, ونطل منها على الدنيا ولا أحد يرانا, حين أنظر في عينيك ,أعود إليّ معك.
....................
لظلكِ تنحني طرقات روحي
وتخلعُ قطنّها شفةُ الجروح ِ
وحين تقبّليها وتهتفُ:لا
تروحي لا تروحي لا تروحي
........
الحبُ ذلك الغامض اللامري,يعيث فينا جنوناً وحناناً..يعلقنا بين أرضين وسماء, ويتركني بكِ, قريباً منكِ, وأقربُ فيكِ, أنا المخبأ في حجر من بلور عينيكِ, ولا أحد يراني لا أحد,هنا أشيّد مملكتي من ضلوع شجر الرمّان وضفائر شجرة الكرمة الطيبة. وحدي هنا الأبعد, بيني وبين أغصان الليمونتين,قريباً من خشونة أوراق الأسكدينا ونعومة أوراق الياسمينة.
لا أحد يراني هنا,و لا أرى أحدا ، أدرّب أيام إسبوعي على الألفة, وأعلمها أناشيد الهديل, ونهتف معاً:اقتربي أيتها الحمامة, انهمري أيتها الغمامة,لأغفومحاطاً بالظباء والوعول والأيائل, أغفوا حتى نهايات أسبوعي البعيد المبتعد المتباعد.
وحدي هنا, لا أرى أحداً ولا أحد يراني, أنا الهارب منكِ فيّ, والواصل إليّ منكِ, والمعانق لوجهكِ بيني وبيني, والداخل في ظلكِ الممتد المتمدد الممدود, هنا في بساتين الغياب, وهنا حضوري هو غيابك وغيابك هو حضوري. أخضُّ المعادلة وأرجّها بنبض روحي, تتمازج وتتلاقح حتى تسيل في المكان, هنا بين أرضين وسماء, لاشيء هنا إلا أنتِ. ولاشيئ هنا إلا أنا.
سكون مطبق يحضن القريبين البعيدين, وثمة صدى يتلاشى ويتجدد ويتمدد وترددُ الجبالُ:
أيتها الأرض العذّبة و السماوية العالية
لنا في ممر الغابة نهرٌ وحيدْ
وعلى الضفتين, ياسمينة ودالية
وبينهما بيتٌ مؤثثٌ بيوم ٍ سعيدْ
يومٌ كلما انتهى تبدأ المتوالية
ولا شيء سوى الصدى يرنّ في البعيدْ:
أحبك أيتها العذبة الغالية.
..........
الحب ُأسبوع مطرز بما نحب ُّونرضى,ويطوّق الأيام من جهاتها السبع,والشهر في جَمعِهِ من متناسلات العام,والعام مُجَمّعـهِ أعوام .
والأعوام زمن بدأ ولم ينتهِ بعد, أسبوع هو الكون,آحادُهُ توحدنا دون انفصال,وإثنينه, أنا وأنتِ,والثلاثاء ثالث من إثنين, والأربعاء, تولّدكِ من أناي وتولدي من أناكِ,والخميس مشترك التولدين, والجمعة, جمعهما في واحد,والسبت, سباتهما الأبدي. إذن هذا هو الحب,وقالت السماء والأرض: والحب أيضاً هو الفصول الأربعة.
ولي أن أتماثل في سيدة اللازورد في الأعالي وسيدة السندس الخصبة في الأرضِ .
أعرف أنهما واحدة متحدة متوحدة, وهي تعرف أني أعرف, وتعرف كيف في الإمكان أروّض المقولة وأجعلها تمشي على قدمين من رذاذ وعشب وينتعلان الورد, فالخريف احتضان الخوف وطرديّة ضد الذبول ودعوة للتماهي, والشتاء شفاء من وهم الخوف, والربيع ريعان الصبا فوق منصة التجدد والتفرد والتوحد, والصيف قُبلٌ لاهبة تنضج ما يُراد إنتاجه .. وللأرض ِالماء و احتضان هذا المولود المتجدد المسمى حب,ولي أن أغني:
أخافُ من الأغنيات المريضة .. آه أخافْ
ومن لحنها المستبدُّ إذا ما استباح الشغافْ
فكوني هنا مثلما أشتهي..
وردةٌ تتفتحُ بين الضفافْ
وأشهدُ أن غيابكِ زوبعة الأعترافْ
وأن حضوركِ غابة سرّو ٍ تعانقُ صفصافْ
Post A Comment: