في الساعات الأولى من يوم عاصف، لا تُـرجى منه و لا خلاله أمطار رحمة، خرج مسعود من بيته و لا فرج في الأفق القريب لهدوء زوبعة مشاعر متناقضة بداخله بين غضب، و حيرة، و ترقب، و أمل، و رجاء.
شاع خبر مفاده أن قافلة من الشاحنات ستدخل المدينة باكرا لتوزيع الأدوية على الصيدليات. حشود كما جيوش مستعدة لحرب العصابات فرضت قوانين الغاب و الفوضى على طوابير طويلة.
تساءل مسعود وسط الضوضاء:
ـ أين قِوى حفظ الأمن؟ أين الجيش؟ أين الحكومة؟ أين الدولة؟... أين الشاحنات؟
سُمِعتْ صفارات الإنذار من أعلى صوامع البلدة. و أصوات منبعثة من أبواق تحثّ الجموع على احترام قانون حالة الطوارئ، و تدابير الحجر الصحي بالتزام المنازل و عدم مغادرتها تحت أي طائل.
تعالى صراخ الجماهير كما لرجل واحد و كأنها في "حراك شعبي" قد لا تحمد عواقبه:
ـ و الدواء؟... و الشاحنات؟... لن نغادر حتى نحصل على ما يكفينا من الدواء !...
أصبحت الساحات أوكاراً لكل الإشاعات؛ إذ غالبا ما يختبئ "ذوو الحسنات"/ الجبناء أو "الأبطال" (لا أعرف كيف أصنفهم) تحت مظلة أو قبعة أو معطف الحشود لترويجها صادقة كانت أم كاذبة؛ فتلقى لها و بسرعة البرق آذانا صاغية، و أفواها ترددها بتفسيرات و تأويلات مختلفة تتأرجح بين التهويل، و زرع الفتنة و التوتر.
سمع مسعود أحدهم يقول:
ـ لقد اعترض اللصوص الشاحنات في مدخل المدينة، و نهبوا الأدوية...
و آخر يردد:
ـ لقد بيعت للسماسرة و للوسطاء لإعادة بيعها في السوق السوداء...
و إشاعة ثالثة تقول:
ـ لا تصدقوا أبدا ما تروّجه الإذاعة و وسائل الإعلام الرسمية؛ لا دواء سيدخل الصيدليات؛ إذ لا وجود له أصلا...
تفرقت الحشود تجري في فوضى عارمة في اتجاه كل نحو و صوب؛ في اتجاه المجهول؛ و كأن الركض، و الصراخ، و اعتراض الشاحنات، و تحطيم واجهات الصيدليات، و الهجوم على المستشفيات، و تنظيم وقفات احتجاجية و المظاهرات، و تحدي النظام العام... قد يغيرون من الوضع شيئا.
لكن أفضع و أغرب إشاعة سمعها مسعود و هو في طريقه إلى بيته منهك القوة، و محبطا، و غاضبا/ يائسا ما ردده أحد المارة قائلا و كأنه يخطب كما زعيم سياسي أو نقابي تجاوزته الأحداث فبدأ يهذي:
ـ يا أيتها الجماهير الشعبية المنتظرة !... يا جموع البؤساء و المستضعفين !... يا أهل زمن الوباء، و الفقر، و الحاجة !... لقد أتيتكم بالخبر اليقين الذي لا خبر قبله و لا بعده؛ الدواء موجود خصيصا و حصريا لنزلاء المصحات و المستشفيات... فبعد أن عجز العالم برمته على إيجاد لقاح فعال للوباء، و كمية كافية لمعالجة بعض أعراضه، تقرر ما يلي:
"أن يتم الاحتفاظ بغير المصابين في أماكن آمنة و مغلقة و معقمة بالمستشفيات و المصحات و الفنادق حتى لا يخالطوا المرضى؛ أقصد نحن؛ فكلنا مرضى، ضحايا الوباء... إلا منْ رحمه رب كريم."
Post A Comment: