منذ أن خلقوا في هذه الأرض وجدوا أنفسهم يعيشون في الظلام الدامس داخل مغارة،لا يكاد الشخص يرى أين يضع قدميه، من هذه المغارة تنبعث رائحة احتباس الهواء، لأن المغارة لايتجدد هواؤها ليس لها تيار هواء يغدو ويروح، ولا مجرى يحركه،داخل المغارة رجال ونساء وأطفال يعرفون بعضهم البعض بحكم فضاء المغارة،لكن العجيب أن هؤلاء الناس ولدوا ووجدوا أنفسهم مشدودين إلى سلاسل ،تربطهم بواسطة سوار وضع في أيديهم ومسافة التحرك قليلة بقدر امتداد السلسلة لأمتار قليلة ،وكلما حاولوا الابتعاد تشد عليهم السلسلة فيرجعون، منذ زمن طويل وهم على هذا الحال،الشيء الوحيد الذي كانوا يستأنسون به هو تلك النافذة أو الكوة الصغيرة المفتوحة في أعلى الجدار الذي يسندون ظهورهم عليه،هذه الكوة الصغيرة ينبعث منها ضوء ينعكس على الجدار الذي يقابلهم،فيبدد قليلا من الظلام كما يمكنهم هذا الجدار من رؤية الأشباح والأطياف شيء شبيه بالدمى والعرائس الصينية،الحقيقة موجودة خارج المغارة والتي تشكل الناس والحيوانات وجميع من يمر بالمكان، يروا ظله على الجدار فعرفوا المجتمع الخارجي من خلال الظلال والأشباح وحسبوها حقيقة واقعية وآمنوا بها ايمانا لا يزعزع ولا يتسرب إليه الشك أبدا،لقد سمعوا عن الحقيقة وعن الشمس التي ترى خارج المغارة،لكن لم يجرؤ أحد على التصريح بالخروج أو رؤية الحقيقة،إنهم مشدودون ومسمرون بالظلام وتربوا في الظلام واللون الأسود، ولا يعرفون أبدا بقية الألوان وحتى في قاموس مفرداتهم لا وجود إلا للون الأسود،ما داموا لم يروا بقية الألوان فكيف تخطر لهم التسمية محال، ويقول بعض حكمائهم : إن الظلام مرتبط بماهو مخزن في الغرأئز فهي مختبئة لكن تحركهم وتدفعم وتنشطهم ،لكن تمنع عنهم رؤية الشمس، والحقيقة هم مشدودون فالشهوات تسيرهم وتبقيهم في حيوانهم المرعب إنه وحش وغول كبير، يمسك النفس ويجعلها عبدا ذليلا،ويمنع الروح من الإنطلاق والتحليق بعيدا في عالم الحقيقة، إنهم محجوبون من إنسانياتهم التي يستطيعون بها افتكاك نجوم السماء والطيران وخلق المعجزات لكن بشرط التغلب على الغرائز وقهرها.
مرت الشهور والأعوام ولم يتغير أهل المغارة مازالوا يسبحون في الظلام ،ومازالوا مربوطين في السلاسل التي تحكمها الغرائز،إلا أن خرج منهم حكيم مثقف جمع الناس وخاطبهم قائلا : أيها الناس لم تخلقوا من أجل العيش في الظلام، بل خلقتم للنور والشمس، وقد غلبتكم ابدانكم بشهواتها وطمرتكم في الأرض وتعالت عليكم لذلك تعشقون الظلام وقد خلقتم للنور،واليوم جئت لأنقذكم واخرجكم إلى النور سترون أنفسكم وصور وجوهكم التي حجبها الظلام عنكم، أرأيتم تلك الكوة المفتوحة في أعلى الجدار،سنوسعها ونخرج جميعا إلى الحرية ،فقد اشتاقت أجنحتكم المطلوية على الطيران والتحليق وسط الحقيقة وستغمركم الشمس،فتتنفس صدوركم ،هيا اتبعوني، وما إن وصل إلى هذه الكلمة حتى أحس بيد قوية غليظة تشده من الرقبة وبعنف يضرب على الأرض ويفارق الحياة ،وتفترق الجماعة بسرعة خوفا من حراس المغارة،ويبقى الحال على هذا النحو حتى يأتي يوم يفيقون في الصباح فيشمون هواء آخر غير هواء المغارة، ولا يقدرون على رفع أعينهم من شدة نور الشمس المباغتة وغير المألوف،للمرة الأولى منذ أجيال وأجيال لم يعرفوا ولم يروا الشمس،ويسمعون مناديا يقول: أهلا بكم ،لقد كنتم نياما طول الوقت والآن انتم أحياء ومستيقظون ولا خوف عليكم ،انتم تحت ووسط النور والحقيقة تلفكم من كل جانب ،لقد تعبتم من المغارة ومن الظلام ومن الظلم فهنيئا لكم بالنور.
استبشروا خيرا وتذكروا ما كان يقول حكيمهم،كان على حق ،لقد قتل مظلوما.
Post A Comment: