حين يؤذيك التعب تعرف كيف تمشي على الاوراق الميتة تحت الشجر، دون ان تحدث صوتا قد يزعج جارتك النائمة.
و قد تعرف ايضا ، كيف تبتسم لها من عينيك لكي لا تفتح فمك، و يفضحك صوتك الضارب في الوجع.
حين يؤذيك التعب تعرف كيف ترفع الجريدة من الارض، و تضعها دون ان تراك في صندوقها البريدي امام البيت ، حتى لا تضطر هي الى الانحناء كل صباح لالتقاط اخبار العالم من الرصيف.
حين يؤذيك التعب تريد ان تقترب قدر الامكان، من الطير الجريح في اخر الطريق ، و تسعفه دون ان يخاف منك و يجر جراحه بعيدا ...
حين يؤذيك التعب تعرف جيدا تلك الضحكات الهستيرية للمتعبين في المقاهي و على الارصفة و في جلسات العائلة الليلية، و تكون الوحيد الذي لا تشاركهم الضحك، لانك ابتعدت قليلا عما قد يجول بذهن الاخرين بخصوصك، و لم تعد تكترث به...
حين يؤذيك التعب تعرف ان الصمت نعمة، و المشي على الاقدام دون صوت نعمة، و شمس الخريف الشاحبة نعمة ،و فتح النوافذ بالبرد نعمةايضا ...
تعرف كل النعم و لا تريد ان تحصيها لانك تعترف مسبقا بعجزك الاليف و تقبل بالتعب .
لا احد يستطيع ازعاجك اكثر مما تريد انت.
تفتح ذراعيك بما يستطيع حضنك... فلا اكثر .
الثقب الذي تطل منه عليك يتسع بلا هوادة، كلما ضاق الازدحام بالرسومات المتحركة فوق شاشات الواقع ،الواقع الذي لا يوقع على شيء، و لا يحيط بشيء.
فلا تبقي اطرافك المنسية بالخارج و انت تعبر الثقب ،اي نعم تدخل كاملا فيك على هيئة جنين مرة اخرى و تكتفي بك كرحم ساكن لا ينتظر كف قابلة...
هكذا و انت " مجهض " ، تكون منسجما مع ولادة بلا صراخ...
تخرج من حبرك كلما اكتظت بك الدواة، و اغرورقتك الهوامش حد الولادة من جديد...
و تكتبك بكامل اناقتك على جدار جار متعب، يعرف كيف يمر بسيارته بحذر على مقربة من طير صغير ،يتعلم الطيران ف لا يؤذيه...
و حين يؤذيك التعب الذي تحاول تجاهله على قدر اتساع حضنك و تفشل ، ترص فقط امام عينيك، و بصمت شديد عدد انتباهك الشديد للاشياء المؤذية بشدة و تبتسم ...نعم، تكتفي بابتسامة كتلك التي نرسمها دائما وسط دائرة و نحن لا نعنيها، و تستطيع ان تمثل الدهشة امام نفسك و تستغرب و تتساءل بحرقة و باستهزاء في ان واحد ان شئت : *
" كيف لهذا العدد الهائل من الأيام
ان يخلق حياة ضئيلة كهذه ؟ "
حينها لا تحتاج ان تاخذ لك صورة مع الوقت او مع ما هو مرصوص امامك، لان الذاكرة تكون قد سبقتك و بشكل لا ارادي لذلك و بشكل نظيف...
فتصير تفهم ابتسامة الصامتين الهادئين الذين يمرون تحت نافذتك دون ان تنطق احذيتهم بحوارات اوراق الخريف، و انت تعلم انك لم تكنس امام البيت منذ زمن طويل...
تعرف ان الابتسامة بلا صوت، هي اختزال جريء لخلاصات تفوق الاحساس بالرضا، و تفوق الاحساس بالاعتراض...
و تبتسم مرة اخرى و انت تصر على انهاء رسالتك السنوية للجارة المتعبة في ذكرى ميلادها، و تواسيها بما يجعلها تفتح النافذة رغم البرد و تبتسم و هي تقرا لك : **
" نَحنُ مِن طِين ، يوجعنا الأذى ، يَجرحنا صَغير الشَوك ، يجبرنا لطُف الله.» كل عام و انت و الهادئون في صمتهم بخير...
و قد تريد حتما حين يؤذيك التعب ان تنام طويلا في غرفتك اخر اليوم ، دون ان تجعل احدا ممن يحبونك ينتبه، انك لم تستيقظ في الغد...
________________________________
* كافكا.
** جلال الدين الرومي.
Post A Comment: