الكتابة ألم ، الكتابة صرير ومضض روحي ووجع ممتع ، الكتابة مصدر سحر وجاذبية للفطراء من أهل الأقلام المبدعة وللعامة التي تمس أوتاراً حساسة في وجدانهم .
(( كثرة من الناس يكتبون ، وقلة يدخلون شغاف القلب ، أولئك الذين يكتبون بصدق وشغف ... ويتركونك تنفذ إلى أعماق أرواحهم بلا حرج ولا تكلف ولا زيف ولا صنعة ، ومن خلالهم فقط يمكنننا أن نلتقط عمقنا الإنساني )) " صالحة حيوني " .
نشعر بسعادة كبيرة عندما تخرج إلى النور ولادات ثقافية وقصصية وإبداعية جديدة في زمن الانكسارات والاحترابات والمحن والتصلب العقلي والوجداني ، في زمن التهتك والفساد وترسيخ القبح والكيد والتخاذل :
(( طالما أن هناك كتب ، أناس يؤلفؤنها ، أناس يقرؤونها ، لن يضيع شيء في هذا العالم الذي أحببناه كثيراً رغم أحزانه وفظاعاته )) " جان دور ميسون" .
ثمة أقلام ماهرة تفوح منها رائحة الإبداع القصصي مثل قلم القاصة العدنية الشابة / رانيا عبد الله .
رانيا عبد الله قلم قصصي أنيق في طريقة للتألق ، بقدميها مشت فوق صفيح ساخن وتجاوزت الأشواك والمنغصات بعلو الهمة وبحس فني ومهارة رائعة .
لقد اتقنت إلى حد ما التكنيك القصصي واعتمدت على التكثيف و الاختزال وعمق الفكرة والتعبير الشعري والتعدد الدلالي والمشاهد السردية والاستبطان النفسي ، ولامست بأصابعها جروح الواقع .
إنها تلتحم بالواقع وتتشبع بسوسيولوجيا الحياة اليومية بأفراحها وأتراحها لتنسج لنا قصصا صادقة مدبوغة بروح فنية لذيذة .
لقد اتقنت اللغة القصصية والترطين بها بصورة جميلة وبألتقاط ذكي للإشارات والتوقعات والتفاعلات الإنسانية بمتع روحية ورمزية عذبة :
(( نثر الليل سكونه في أرجاء المدينة ، وابتلعت الشوارع والاحياء نبضها ، البحر يغط في نوم عميق ، والجبال تلحفت بالظلام الدامس )) " جنية العقبة ، صـ91" .
ففي قصصها نجد عمق الفكرة ولوعة التعبير والتأملات الفكرية والتوليدية ونجد لوحات مكتملة الأبعاد ومتعددة الأنغام .
فهي تنتقد الواقع المر وتحتج وتتمرد بتأملات مغموسة بالشاعرية ، لا تحب الجلد والفواجع والكوارث المزيفة ولا تتصنع الكتابة القصصية والتهريج الممل والرؤية العبثية وسفاسف الأفكار والتصورات المخبولة .
إننا نشفق على هذا الجيل من المبدعين الذين يسيرون بأقدام حافية بلا سند ولا عضد ولا دعم من قبل الهيئات و المؤسسات الثقافية ولا يجدون الرعاية والتوجيه من قبل المثقفين والمبدعين والمختصين في فضاء عمومي متخم بالعراكات والتجاذبات وتوالج الأصوات واختلاط الحابل بالنابل ، واختلاط الغليظ بالغليظ وهشاشة الإبداع وسطحية المستوى الجمالي والفني في وضع يندى له الجبين .
ومن المعايب التي يقع فيها بعض المبدعين الشباب هو أنهم يلهثون خلف الشهرة والأضواء الكاذبة ويتسرعون في النشر ، مما يؤدي بالبعض إلى ضلالة عمياء تكرس الركاكة والغثاثة الماحقة للمواهب .
بكل جوارحنا نبارك للقاصة الشابة / رانيا عبد الله صدور مجموعتها القصصية (( وقع أقلام )) ونتمنى لها الفوز والفلاح .
كتابات الشابة رانيا عبد الله قلقة ولذيذة ومنعشة للعقل والروح وتفتح نافدة للتأمل والإشراقات والفرح الإنساني النبيل :
(( اقترب ممن يفتحون في روحك نافدة نور ويقولون لك أنه في وسعك أن تضيء العالم )) " شمس الدين التبريزي " .
إنها تسير إلى الأمام بخطى ثابته ولا تحفل بأقاويل الصقاعين والضجاجين والثعالب المتربصة الذين يطلقون عباراتهم الدخانية دون احتياط ، لأنها تعلم علم اليقين أن :(( أفضل انتقام أن تنجح بشدة )) " فرانك سيناترا " .
كم هو رائع ولذيذ قلم المبدعة / رانيا عبد الله الذي يقطر عذوبة ورقة بكثافة الشحنة العاطفية والبلاغية متكئاً على فيض من المشاعر النبيلة يمسح غبار الحزن بخيال فني بديع وبلغة طازجة يفجر الطاقات الحبيسة في الفؤاد والعواطف الكظيمة في الصدر .
إنها تكتب وتخرج من ضلوعها الولادات الفنية والابداعية :
((سأنصب قلمي ومحبرتي خيمة على شاطئ إدراكي واصنع من الأفكار عقداً لؤلؤياً ترتديه اعناق الو رق .
سأعزف لحناً وجدانياً تتراقص معه أقلامي منتشية لتخبر الكون أن عقرب السعادة أتم ثانية ونصف منها في قلبي .
سأكتب حين ترسم مخيلتي شعوباً تمارس طقوسها ذات كوكب .
أنا أكتب لأرتب فوضى أفكاري على الورق .
أكتب لأفض الزحام الذي يعتريني مع كل فتيل شعور يتقد .
إن الكتابة ليست نية ، بل سطوة رغبة بوضع حمل حانت ولادته )) " رانيا عبد الله " .
إن الكتابة المبدعة تعري الأقلام الرخيصة أصحاب المواهب الفاترة الذين يرضعون من ثدي إبداعي ضامر وينتمون إلى جنس عبدة الشعارات والتقليد والنقل البليد والخطب المنبرية وحفظة الجمل والنصوص الذين يفلقون الرأس بشطحاتهم :
(( إنهم كذابون .. يعلمون إنهم كذابون ، ويعلمون أننا نعلم إنهم كذابون ، ومع ذلك يكذبون بأعلى الأصوات )) " نجيب محفوظ " .
نتمنى على المبدعين الشباب أن يقرؤوا كثيراً ويكتبوا قليلاً وعدم الانجرار خلف الاضواء الصاخبة والتهليل والتكبير والتطبيل وعدم تكلف الإبداع والكبرياء والتغطرس وتعظيم الذات والتحلي بفضيلة التسامح والانفتاح والبساطة وسعة الصدر وتقبل النقد البناء .
نتمنى عليهم أن يلتحموا بالواقع ويغوصوا في تجاويف المجتمع ويصقلوا مواهبهم الشابة بالقراءة والدرس والمثاقفة والكدح الذهني والإبداعي وأن يستفيدوا من القامات الإبداعية المحلية والعربية والعالمية ، و أن لا يسمحوا للمتشعوذين أصحاب التفاهات و كهنة تزييف الإبداع من ذوي النفوس المريضة أن يطمروا مواهبهم بشيء من الزخرفة والسطحية والبلاهة الإبداعية التي تتنافى مع الإتقان والتجويد :
(( لا تسمح لأي شخص أن يحجب الضوء الذي يشرق من داخلك )) " مايا انجيلو " .
المجموعة القصصية " وقع أقلام " للشابة رانيا عبد الله تحتوي على 28 قصة تستهلها بقصة " ليلة في الحياة " وتنتهي المجموعة القصصية بقصة " غمزة ماساي " .
سلام للقاصة رانيا ولرشاقة قلمها المعجون بالنطاسة والرهافة والجمال .
Post A Comment: