فعلت الخرافة فعلها،ووجدت من ينشرها أمثال سيدي اعمر ومن ينفذها مثل لاله عائشه،كلما انتشرت الشائعه،ووجدت الجهلة،كلما امتلأ جيب سيدي اعمر، يبني ويهدم العقول ،والعلاقات الأسرية،وتكبر كذبة الخرافة، كلما قدم الزبون أكثر،إنها نار في حطب يابس.
أقبل مراد متلهفا على رؤية زوجته،فوجدها بخير ماعدا بعض الصداع والألم في رأسها من الجانب الأيسر، سرت عندما رأته ،فطمأنها ووعدها بحل المشكلة وفكر في اللجوء للشيخ بلڨاسم إمام المسجد فهو الذي يصلح لهذه المهمة،يحبه سكان القرية ويحترمونه،إنه من حفظة القرآن وملما بالفقه، وقد تدخل مئات المرات للصلح بين الناس،ولا يعصى له امرا، يجد الطاعة التامة، أما عن الصداع الذي أصاب مريم فإن استمر فسيأخذها لطبيب المستوصف .
بعد عدة أيام ومريم في دار أهلها ومعها زوجها،كان الشيخ بلڨاسم قد وعده بالقدوم لعقد جلسة صلح وتكون في بيت أهل مريم ،هكذا أراد الشيخ،ربما لإعادة الاعتبار لمريم وتطييب خاطرها، لذلك تعمد الشيخ ترك ايام تمر،لانه يرى أن الزمن كفيل بتخفيف الألم والضغط وهو لصالح جلسة الصلح المقررة. قدم الشيخ لبيت أهل مريم وكان متخوفا من رفض مريم للصلح، لأنها هي المجروحه والمظلومة، لكن، بعد دخولها القاعة تبددت شكوك الشيخ،دخلت مبتسمه ،وكانت تلبس لباسا مطرزا ازرق اللون،انسجم مع بشرتها البيضاء وجمالها، وقد زادت أشعة المصباح جمالا لوجهها،حيث انعكست خيوط الضوء وظهرت تتراقص فوق خديها وعينيها العسليتين، لقد كانت محط أنظار شباب القرية، والكثير كان عازما على خطبتها،لجماها وأخلاقها لكن المكتوب فاز بها مراد.
في قاعة كبيرة مفروشة حيث حضر الجميع، وضع الشيخ وكعادته برنوسه على كتفه والعصا معه أينما حل وارتحل،ليس لعجز به وإنما ألفها واستأنس بها فقط،تكلم الشيخ مطولا مستندا في كلامه على القرآن والسنة،انتبه إليه الحاضرون بشغف وشدهم إليه بأسلوبه الجذاب،وابتسامته التي لا تفارقه وبالأمثلة،وبعد الإنتهاء طلب من الحاضرين التصالح والتسامح، كل كلمة تقال كانت لاله عائشة تعرف بأنها هي المقصودة،فكانت مطأطئة الرأس ،لا تجرؤ على رفعه ،خاصة في وجه الشيخ ومريم، وكان العرق يتصبب من كل أنحاء جسمها رغم أن الحرارة كانت معتدلة،أظنه الخجل والندم هو الذي فعل فعلته، عصر لاله عائشة ففاض شحمها ماء لأنها كانت مملوءة فوق اللزوم ،الشيء الذي يعرقل مشيتها خاصة في صعود السلم،كانت تحس أنها تحولت لحشرة صغيرة ،آه لوفتحت الأرض وابتلعتها أحسن من هذا الموقف الرهيب التي لا تحسد عليه.
قاموا جميعا واحتضنوا بعضهم البعض وهم يبكون أما مريم فقد احتضنتها لاله عائشة وهي باكية تطلب العذر من مريم ،فبكت مريم معها وقبلتها مرارا ،ولم ترغب في تعذيبها أكثر من هذا ،مادامت اعترفت بخطئها والمسامح كريم.
تناول الجميع القهوة، وكانت البهجة سائدة والبسمة تعلو وجوه الجميع والكل يشكر الشيخ بلڨاسم الذي وفق لهذا الصلح وإصلاح ذات البين،تهيأ الشيخ للخروج ،وأمام الباب أراد الشيخ أن يداعب لاله عائشة حتى يترك البسمة والطاقة الإيجابية،فقال لها: تذهبين مرة أخرى لسيدك أعمر!؟ فقالت: آه يا الشيخ يالطيف أبدا أبدا! لو أجده فأني سأشوي كبدته، وانفجر الجميع ضحكا، وبقيت العائلة في البيت حتى تناول العشاء باللحم والكسكس، ووزع الأكل على الجيران بمناسبة الصلح، أما مراد فحمل بنفسه صحن كسكس بقطعة لحم مختارة خاصة بالشيخ بلڨاسم.
Post A Comment: