كانت الأستاذة "عقيدة" معلمة ناجحة، تعشق مهنتها، وتحب تلاميذها وتلميذاتها، وتبتكر في طرق ووسائل إيصال المعلومات لأبنائها وبناتها.
وذات يوم دخلت المعلمة أحد فصولها، وبعد أن ألقت التحية قالت بابتسامة وَوُدّ:
أحبابي وحبيباتي: فكِّروا معي.. هل الكبار يخطئون كالأطفال أو لا؟
دعونا نتعرف على الإجابة من خلال جملة سمعتموها من بعض الكبار فلم تفهموها، أو موقف مررتم به ولم يرُق لكم، أو أحسستم إزاءه بامتعاض أو اعتراض.
قال أحمد: سمعت في إحدى وسائل المواصلات كبيرين يتحدثان عن ثالث غائب قد أغناه الله فجأة بعد ما تُوفي أحد أقربائه فورثه، ثم قال أحدهما عنه: "يُعطي الحلق لمن لا آذان له". فلم أفهم أستاذتي معنى الجُملة!
ثم قالت منة: قد سمعت جارة لنا تحكي عن تشاجر حدث بين عائلتين فقالت: "كانت مشاجرة (خناقة) لرب السماء".. فلم أفهم ماذا تعني بهذا التعبير!
قالت المعلمة أحسنتَ يا أحمد، كما أحسنتِ كذلك يا منة.
المعلمة: يا أحمد، أما جملة "يُعطي الحلق لمن لا آذان له"، فمعناها أننا أحياناً نلاحظ كرم الله وإغداقه على بعض خلقه ممن هم متواضعو الإمكانات، قليلو الحظ في العلم والعمل، أو محدودو الذكاء والعقل.
ولله في ذلك الحكمة البالغة وهو على كل شيء قدير. هذا إذا أحسنا الظن بالقائل.
لكن قد يكون الباعثُ على هذه الجملة - مع الأسف - غبطة مذمومة، أو حسداً ممقوتاً؛ أو اعتراضاً على القدر، فيكون ظاهر هذه الجملة منفراً عند آخرين يرونها تطعن في حكمة الله وتدبيره فكيف بإلهٍ عظيم أن يُعطي قُرْطاً لمن لا أُذن له؟!
والمعترضون على هذا التعبير ينزهون الله في حماسٍ وغيرة وعاطفة لا نستطيع معها أن نلومهم؛ لذا كان من الأدب إن لم يكن من الواجب أن نُقلع عن استخدام هذه الجملة المختلف في تفسيرها قبولاً ورفضاً، وأسلم منها وأبلغ جملة: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20].
المعلمة: ويا منة، أما جملة "كانت مشاجرة (خناقة) لرب السماء"؛ فمعناها احتدام المشكلة وربما المضاربة والاشتباك والصراع احتداماً شديداً بشكل ارتفعت معه الأصوات وعلت، وبصورة امتدت فيه الأيدي واشتبكت، وتبودلت فيه البذاءات على نحوٍ كان يسمعه القريب والبعيد، والقاصي والداني.
وهي عبارة لا تخلو من سوء أدب مع الله الذي {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر : 10].
وهو جلَّ وعزَّ في عليائه منزه مقدس جدير بكل حَسَن وجميل، مطَّلع على كل شيء ومحيط به، وإن كان سبحانه في الوقت ذاته على العرش استوى كما أخبرنا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 10].
ويجب علينا ألا ننسب إلى الله أو نقرنه إلا بكل ما هو طيب وصالح وجميل؛ لذا لا بد أن نمتنع عن ذكر العبارة السابقة غير المهذبة أيضاً.
ولقد فهم ذلك عالم الجنّ حين عبروا بالبناء للمجهول لإرادة الشر (أُرِيدَ)، وبالبناء للمعلوم (رَبُّهُمْ) في إرادة الخير: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10].
ثم قالت المعلمة: الآن، وقد انتهى درسُنا، أخبروني.. هل يخطئ الصغار فقط؟
التلاميذ (جميعاً): بل الكبار أيضاً يخطئون!



Share To: