يشفى على عوق مئة بالماءة ، وعجز جنسي كامل . ليس حيّا ولا ميتا.
كانت ميتة أخيه ، ميتة لا لبس فيها. أما هو .. فبماذا يسمي نفسه؟ميّت؟هي نفسها لم تقل له يوما : أنك ذو رجولة ميتة . ولا قالت لأحد . هي .. لا تريد، أن تذعن لقدرها وقدره.
ربما.. لو قالت .. ما استمعت لها واحدة .لأن زلازل الهموم ، تميد الأرض بالجميع . فبقيت مثل هذه الأسرار مطوية بالقلوب. مربوطة بخيوط: إلى زلازل الفراسخ و آلافها . و انشقاق الأرض و غرائبها.فمحت ومسخت بشرا، على نحو ترتئيه.. هي .
أن الهموم تتناثر ، مثل نثار الصقيع .على مساكن لا تحصى. مرقشة وجوه العديد من النسوة.
أراحت الزوجة ساقها و سألته:
ــ أين وصلت ؟
قال :
ــ أطوي .
لم تزل الأحداث تطوي الأيام و السنين ــ كأنها توّا ــ اذ يتأبّط حقيبته ، ضمن حشد مكتظ من الجند يبحثون عن حافلة توصلهم إلى ديارهم . يلتقون و ينتشرون . قسم ، يندفعون راكضين إلى جهة ما . يندفع معهم . فتلوح حافلة ، تمر مسرعة. يمسك بالبـوّابة ، تدف قدماه مثل جناحين . يوشك أن يرتطم باسفلت المرآب .. يستميت الباقون ، ملتصقين بشدّة إلى جنبها .لا تتوقف، تنحرف بالسرعة نفسها ، لتمضي إلى جهة تستريح . يفلت يده و يرتد خائبا .
يتشرذم الآخرون.
مجاميع .. تتجه ركضا، خارج المرآب تلحق أعداد أخرى جريا.
يجتازون البوّابة . لم يعثروا على حافلة،فيعودون متمهلين. لقد أصابه الملل من العدو خلف المركبات دون فائدة .
حافلة لائذة ، تنزوي في حيّز ضيّق ، عند الجدران الخلفية ينسل قسم ، مثنى .. ثلاث،.. رباع . يحس الباقون . يجفل هو .. ينطلق كالسهم .يلحق به آخرون . يمسك بالبوّابة .. يتشبث . يحلّق بفعل الضغط ، من أسفل . يطوي قدميه .ينقذف بسهولة ، معلّبا بأجساد الآخرين ، إلى الداخل . يجلس على المقعد الأول ، خلف السائق . هذا مكانه المفضل .يتنفس لاهثا. يملأ رئتيه ، يدفع بالحقيبة، أسفل مقعده. ينادي آخرون ــ على الأرض ــ يطلبون من الراكبين أن يحجزوا لهم مقاعد.
يقذفون بحقائبهم من النوافذ. هو يعرف:أن الجميع متساوون في الحقوق : من يحصل على مقعد بدون جهد، يحرم مستميتا على البوّابة .
أحيانا يصل إلى مدينته وقوفا . ربما يقفز للحافلة مبكرا . لكن.. يتعذر عليه أن يحصل على مقعد . هذا ليس مهما . المهم أن يجد نفسه في الداخل .
أحيان أخرى تدفعه الموجة الضاغطة إلى العمق.. أحيانا.. يندفع .. وأمامه عبر لحظات مجنونة تنشغل المقاعد . وعند بلوغ النهاية . يرتد خائبا. وهذا ليس مهما . المهم.. أن يكون في الحافلة.
قالت الزوجة و هي تراقب شروده :
ـ ها.. .. أين وصلت ؟
قال :
ـ أطوي .
يرقب من الواجهة الأمامية . حافلات تتأنّى . السيل الكاكي (2) يهدر .أعداد جديدة تزحف . متون تحمل حقائب .حافلات تنفلت .والحشد خطوط تتشابك و تنفرط . تهدر حافلته .. تنحرف ، لتنفلت في فناء مهووس.تترنّح الأجساد باستسلام على المقاعد. بفعل سيرها الأفعواني . تهدر كأنها أم تستغيث ، جاهدة أن ترتقي منحنى قوسي ، من جسور الخط السريع.
ينقضي وقت ليس قصيرا ، لتأخذ حرّيتها ، كي تواصل أنينها مثل أنين امرأة فقدت و ليدها . و تمضي بطي المسافات .
يهيمن ضجيجها على اللغط الداخلي . و الطريق حافل باندفاعات عجولة .
موسى غافل
يتبع
(2) جنود بببذلاتهم الكاكية
Post A Comment: