لي زمن لم ازر هذه المدينة الخالية من الإحساس. زرتها فأتعبتني.

وصلت صباحاً قُبيل الثامنة والكل في غفوة والدكاكين لم تفتح فاهها بعد.

جلستُ على كرسي في مقهى الطريق. 
ومع رشفات الشاي قلت لنفسي. 
هي الدمام....!!!
ليست حبيبتي الأحساء. 
تلك امي وحبيبتي وساحة أيامي التي ترعى كل مشاعري، 
أما هذه فهي مدينة التعب والغربة وماهي الا مجرد جدران تخبئ نفوس متعبة تجمعت من كل بقعة لا هوية لها.

تذكرتُ رواية فهد المصبح الأخيرة.  
..عزبة الحساوية... وكيف عبرت عن تعب الأرواح في هذه المدينة . 
مدينة النفط، كرية الرائحة قذرة الملمس فيها ما فيها من الليالي الصماء. 

وتذكرتُ أن لي قريب يسكن هذه المدينة منذ سنوات، حتى صار مثل بقية الساكنين. 
وتذكرت غيره من أسماء، لكني لم أفكر ابدا أن أتصل بأحد.
 لأنني أدرك جيدا كم تؤثر الجغرافيا في النفوس. 
أطلقتُ حكمي على الدمام وأهلها.

مجرد جدران وطرق متخمين بالرطوبة . 

أنجزت فروض السوق، وفي المساء وقبل العودة. اغتسلت من وحشتها وعدت حيث النخيل والتراب الشغوف بأهله إنها الأحساء يا سادة. 
إنها جنة الحب الخفي.
إنها الواحة المحاصرة بالحزن والعطش والصمت.
إنها واحة الكهف المقدس. والأرواح الشفافة. إنها ملجئ المذهب النسطوري حينما لم يجد ملجئ.
إنها واحة أول المؤمنين دون سيوف.

حين وصلت قرب داري كانت ثمة فتاة صغيرة تتابع ذيل امها التي تحمل خبزا وتسأل. 
متى يعود ابي؟.  
ردت عليها.  لابد أن يعود .

قلت في داخلي. نعم لابد أن يعود فهو من هذه الأرض.. 
الأرض المطرزة بخيوط العشق .



Share To: