فغرَ فاه عن ابتسامةٍ رماديةٍ خبيثة، جعل يُقلِّب عينيهِ في جسدِ المرأة المُتربعة أمامه ، تحمل في ضراعةٍ ولهفة وليدها الشّاكي ، يتلوى بكاءا وعويلا ، همزَ طرف شاربه الرّفيع الباهت ، ثم ارسل ضحكة جافة متقطعة ، كانت الرّغبة قد تأجّجت في قلبهِ  لمرآها، مضت ثم خبا ومضيها مراتٍ عديدة  ، في تلك الأثناء تراقص الشّعاعُ الذابل القادم من النّافدةِ قُبيل الغروبِ ، على وقعِ أنين الطفل الباكي ، وتأوه أمه التي انفطرَ قلبها فزعا عليهِ.
تثاءب صاحبنا في تثاقلٍ ،  ثم ألقى بنظرتهِ السّاهدة قُبالة صدرها الأبيض المكشوف ، والذي أنبأ بياضه الثلجي ؛ عن فتنةٍ وغواية مطمورة تحت كومةٍ من الملابسِ الرّخيصة.
زَفَرَ زفرة لا تنمّ عن ارتياحٍ ، اتسعت معها عينيه المحتقنتين كالشِّفاةِ الشّاحبة.
عندها تحرّك ثغرها الدّامي بكلماتٍ قليلةٍ مقتضبة ، حدّق فيها طويلا ، وكأنّ الحياة قد نزعت عنه ، قالت في همسٍ باكي : من عشيه يا مولانا  عياط على نفس واحد يا كبدي . 
ثم ارتخى ثغرها ، تلاحقت دقات قلبه كأنّها خفقات أجنحة الطّير ، مدّ يده تحت مقعده ، واخرج محبرته ، بدأ يخطّ رموزه وطلاسمه الغامضة وهو يمضغ الصّبر ، فقد اجهدته أفكاره المتلاحقة .
طلبَ إليها أن تناوله المبخرة ، وما إن قامت تمشي في انثناءةٍ ساحرة ، وتحركت بقوامها الأهيف الممشوق ، حتى همّ أن ينضو الثِّياب عن جسدهِ الذي اشتعلَ بجمرِ الفتنة.
كان الهدوء الثّقيل المُخيّم يعبث بالمكانِ ، قبضَ قبضةً من بخورهِ ، وألقى بها في النّارِ ، تحلّقت سُحب الدّخان الأبيض وتلاحقت خيوطه الخانقة، وسط عزيمتهِ المتسارعة الغامضة ، كان الضوء الخافت يتولّد من زجاجِ النافدة المتصدّع ، مالَ  إليها بصوتٍ فيه رنةِ أنينٍ ، قائلا في تودّدٍ وطمع : خدي الحجاب والورق دا بخريه بيه بعد العشا ، ودي دوبيها في ميه واسقيه منها.
في هاتهِ اللّحظة ، مدّ يده ومسحَ حبات العرق التي لمعت فوق َ حاجبيهِ ، كانت المسكينة قد شُغلت بحالِ صغيرها المنكّد، في التياعٍ لحالهِ المزري ، جفت الكلمات في فمها ، كما جفّ اللّعابُ في خلقها ، امسكت بالأوراقِ وحجاب صاحبنا ودستهم بين ثنايا صدرها الناهد ، عندها برقت عينا الثعلب ، وهو يلاحقها لاهث الأنفاس ، اعتدلَ في جلستهِ القلقة ، وقال في تصنّعٍ : روحي مش عايز منك مليم .. دي لوجه الكريم .
اسبلت عينيها مع كلامهِ ، ثم لاذت بالصّمتِ ، هبّت واقفة تلثم يده ، وما إن لامس فمها الوردي أنامله، حتى غرقَ في عرقهِ البارد ، واحسّ بالأرضِ تميد تحتَ قدميهِ ، انتزع يده بسرعةٍ ، وجعلَ يمرر يده فوق خديها ، وقلبه يفيض في نشوتهِ ، وصوته يعلو ويهبط في هديلٍ  كهديلِ الحَمام ، زمّ شفتهِ في خشوعٍ  : استغفر الله .. استغفر الله.
برمت ناحيةِ الباب ، طالعها بإعجابٍ مشبوب ، وقلبه يتراقص تراقص الطّير في قفصهِ ، بدت الأرض وكأنّها تئزّ من تحتِ ثقلها، وقبل أن تنصرف رمقته بنظرةٍ عقدت لسانه ، قبض بيدهِ المعرقة قبضةً من بخورهِ اللعين ، وألقاها في النّارِ ، ثم اغمضَ عينيه المثقلتين بالشّهوةِ ، وهو يتمتم ويبرطم في شياطينهِ، وعاد المكان يغوص في دخانهِ .



Share To: