( القصة تجسد قدرة المراة العراقية،في الكفاح للحصول على القوت اليومي للعائلة أيام محن الحرب و حتى اليوم. ولذلك لابد ان نستذكرها اشادة بدورها.من مجموعة الجذور المتوحشة . نشرت عام 2000 أرجو الانتباه للتاريخ ، فله دلالته )
تلمح عيناه بين الحين و الحين على حافات الطريق قرويّات يدمغن بأيديهن على رؤوسهن.. سرب متوال ، مثنى .. ثلاث..رباع .مجاميع منهن مؤزرات،ماضيات، باتجاه عكسي.لا يستطيع أن يضبط أعدادهن . ألأعداد تنفرط . تتمرد. لا تعطي نفسها بيسر .
نسوة أخريات ماضيات مع وجهتهم . يتلاحقن على عجل . قسم يشبكن أصابعهن على هاماتهن .قســـم يرفعن أذرعهن ، كالأسرى، مطوّحات، مستسلمات. قســـم يتحلّقن على حافّات الطريق و يلطمن .
طــــريق مكتظة . نسوة تَلوحُ في الأفق ، ذات معالم سود.بغيتهن غامضة. لكن الموضو....................................................ع .. واضح .
جنود يتأبّطون يطغاتهم (1) وحقائبهم . قسم يهبط من الحافلة. قســـــم ينتظر على قارعة الطريق.قســـــــــم يحث الخطى من بعيد.
أرض مقفرة ، تتهشم معالمها ، و تتبعثر كالغبار ، تحت هذا الحث من صخب الحافلات. و رادحات الارض اللّاطمات على طول الطريق. و الشاحنات المموهة .والناقلات العارية . انفلات دائم من خلفهم و من أمامهم.
سيّارات مجهولة يبتلعها الهدير الأقوى ، فيتقزم هديرها . بعضها تحمل نعشا . حقائب سفر.أواني بلاستك.المنيوم .أقمشة سوداء. خضار. أعلاف جافة . أعلاف خضراء.شاحنات بترول ، كتب على جانبها تحذير (خطر ..سريع الاشتعال).عربة خاصة تتأرجح بطربٍ في إبطها حمّالة . علّق فوقها شاكيتة و قميص .
الفلوات المسبخة تتمزق و تنطوي و الوقت يتمدد. رتلٌ تنفرط دقّة أرقامه . والعد مسبحة للمتحرّقين لتجاوز الزمن .
وعبر ترامي هذه الفلوات ، كانت مرابع النخيل بفعل قصف القنابل تتحطم و تمحق محقا.
ويمضي بصره مُنْقذفا كالومض ، إلى ملامح مترامية . مصطدما بمجزرة مروّعة .. فالنخيل .. منقصف القمم . أو .. قمم متدلّية هالكة. ومجمـــــوعات تمــــوت وقـــوفاً . يبصر أخريات.. راكعات أو جاثيات.وجذوع مستلقية بطولها .
حافلتهم.. تكبح سرعتها . تتأنّى . يهبط مقاتل . يهرول ، لا يصدق : ان الوقت قد انطوى و توقف ، عند الصفر .
هو ....
كذلك يحسب نياشين . مؤشرات لاقترابه. يحس بقلب زوجته يقترب في قلبه. يفعمه شوق على شوق . والحنين للدفء . لأكلة بيت طيبة . قدح شاي من أنامل زوجته . بسمة . فراش وثير دافئ . خطى .. في فناء .. هو سيّدُه .
ويحرّك الباب على مهل ، لأن الطرق العالي يوجع القلب و يُهلعُه . قبلات لولده الوحيد . البكاء من الفرح . دموع تهمي ، تنحدر فوق ابتسامتها العريضة . طعمها الملحي لذيذ.
قالت الزوجة وهي تغزل :
ــ حاط أم طائر؟
قال:
ــ أطـــــوي.
ييفع ابنهما ( غني) . ويلتحق بالخدمة. ربما استقل تلك الحافلات ، التي استقلها أبوه.
ابنه أيضا يرقب متى يُصفّر الطريق . الولد يميل إلى الصمت . شأنه .. شأن أقرانه . يفضلون أن يرقبوا صامتين . وأن يُصفّر الزمن بصمت . وقبل أيام ابنه ، ما كان المرء ليصدق ، أن تنتهي تلك الأيام ، وتطوى بيد سحريّة .
كم تحرّقت الأحياء للطمأنينة؟
كل المخلوقات، حتى الضواري ، حتى الهوام ، كانت تحلم ، أن تنام قريرة العين .
وحين انطوت ايام الحرب و انطوت ، بدا ذلك بعيدا عن حجم الحقيقة . أوّل ما فكر فيه المبتلى : أن يخلع كل شيء يذكره بآتونها، فخلع قسم منهم ملابسهم ولم يبق سوى ما يستر العورة. وانهدّ الكل في سيل عارم ، والحزن يتحطم ويسحق تحت وطأة الخلاص .
قالت الزوجة:
ــ أرح نفسك .
قال:
ــ دعيني أطوي.
Post A Comment: