لعبت الأسطورة بمواضيعها ورموزها دوراً خلاقاً في آثار توفيق الحكيم الرمزية لما لها من قوة الدلالة والإيحاء ، فهو يلجا إليها لما تضفيه على المسرحية من طابع التجريد والرمزية ، إنه يحب الرموز وعالم الرموز وهو يفضلها إذا هي أتيحت له على وسائل التعبير المباشر (1) ويقسم الرمز عند توفيق الحكيم إلى قسمين هما :
1- الرمز الأسطوري:
تتنوع مصادر توفيق الحكيم الأسطورية تنوعاً كبيراً يشمل القصص المستمدة من القرآن ، والتراث الإسلامي والتاريخ مثل مسرحيات : " سليمان الحكيم " و " أهل الكهف " و " شهرزاد " و " السلطان الجائر " ، أو المستمدة من الأساطير الإغريقية مثل مسرحيات : " بجماليون " و " براكاسا " و " الملك أوديب " أو المستمدة من الأساطير الفرعونية في " إيزيس " أو من الأساطير المستمدة من الفولكلور الشعبي كما هو الحال في مسرحية " يا طالع الشجرة " حيث استقى من العادات الشعبية بعض الرموز التي تؤدي وظيفة الأسطورة. وفي كل هذه المسرحيات نجد توفيق الحكيم يشكل الأسطورة تشكيلاً خاصاً ، ويضيف لها أبعاداً جديدة لن تكن في أصل الأسطورة.
( ولا شك أن دور الأسطورة كان ذا أثر كبير على البناء الرمزي لمسرحيات توفيق الحكيم بحيث أمدته بالعناصر اللازمة لتشكيل رؤيته الفكرية والفنية ، ولكن هذه الرؤية تأتي في كل حالة من أحوالها الجديدة مغايرة للواقع الأسطوري(2)هنا تبرز قدرة توفيق الحكيم في استخدامه الأساطير ودلالتها ، حين يجعلها تستجيب بحرارة لأعمق التجارب التي أراد الكاتب أن يصبها في أعماله الفنية.
2- الرمز التوليدي :
تتمثل قدرة توفيق الحكيم في تجاوز القصص والأساطير وما تقدم من إيحاء يمثل التشكيلات والعلاقات البنائية الرمزية التي تتولد من خلال التطور الدرامي في المسرحية ، وتأتي هذه التشكيلات والعلاقات في هذا المجال لتحدد من خلالها الخصائص الفنية التي تتحول بفضلها الدلالات القصصية والأسطورية من سياقها المحدود المعروف إلى وظيفتها التعبيرية الجمالية داخل العمل الأدبي وهذا العنصر ( التشكيل ) أو ( توليد الرمز ) هو الذي يمارس سلطة التأويل ، وإعادة الخلق ، وبفضله تتحول الدلالات القصصية والأسطورية إلى جزء من التجربة (3) وعلى ذلك ، فالكاتب يجمع بين الرمز القصصي والأسطوري على اختلاف مصادره ، والرمز التوليدي ، وقد يتشابك هذان الرمزان تشابكاً يصعب معه التفريق بينهما ؛ لأنَّ الظلال الأسطورية تقدم إيحاءات تفيد الكاتب في بنائه الدرامي الرمزي ، وكذلك البناء يحول الأسطورة عم مجراها المعروف لتصبح رمزاً له دلالة مختلفة.
وبناء على ذلك يمكن القول : إنَّ توفيق الحكيم يخضع الرمز القصصي والأسطوري لسياق التجربة الدرامية ، فقد رأينا استخدامه لقصة أهل الكهف ، ولشخصية أوديب بالذات فيما يتعلق بشخصية نرسيس فعلى الرغم من أنَّ له دلالة أسطورية معروفة فإنَّ توفيق الحكيم أخضع هذه الدلالة للتجربة التي هو بصددها ، لذلك كانت دلالاته تختلف من موقف إلى آخر ، ومن سياق إلى آخر . وهكذا نجد هذه الشخصيات قد جمعت بين دلالتها الأسطورية ، والمغزى الذي يتولد من السياق الخاص المرتبط ارتباطا وثيقاً برؤية الكاتب ، وبذلك يصبح الرمز الذي يتولد عن هذا التفاعل بين العناصر المختلفة مزدوج الدلالة له مدلول مباشر ينبثق من الأسطورة نفسها، وله مدلول غير مباشر يخضع للسياق الشامل (4) وهذا ما فعله توفيق الحكيم. فبجماليون الحكيم وجه جديد للأسطورة ، وأوديب ، وشهرزاد ، وإيزيس ، وغيرها من الشخصيات الأسطورية التي خلقها خلقاً جديداً كلها وجوه جديدة لم تعرفها الأسطورة.
-=-==-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
المراجع :
1- د. عز الدين إسماعيل ( قضايا الإنسان في الأدب المسرحي المعاصر ) دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1968م ، ص166.
2- تسعديت آيت حمودي ( أثر الرمزية الغربية في مسرح توفيق الحكيم ) ، دار الحداثة ، بيروت ، ط1 ، 1986م ، ص166.
3- المرجع السابق ، ص166و167.
4- المرجع السابق ، ص168.
Post A Comment: