العرض التحليلي للعنوان فهو العتبة النصية للولوج الى داخل النص، وهو لافتةدلالية ، فالعنوان يشير الى أن الرواية ذات طبيعة زمانية ـ مكانية.
يتكون العنوان من ثلاثة مقاطع، أمازيغ أو البربر وهذه التسمية تطلق على بعض شعوب أفريقيا وتعني الرجل الحر اوالأب ذي الأنفة، والمقطع الثاني ليل الاهوار، مناطق جنوب العراق، ليلها ساحر وجميل لان الاهوار تتمتع بالمناظر الجميلة بيوتها وسط المياه تنتقل أليها بواسطة المراكب مثل الزوارق والمشاحيف ،والمقطع الثالث أوسلوهي العاصمة الرسمية للمملكة النرويج التي انطلقت منها اتفاقية أوسلو اعترافإسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية والأخيرة اعترفت بإسرائيل.
تشاكلت الرواية بحلقات زمنية مترابطة بين أمازيغ وليل الاهوار وأوسلو، وبرابط سردي بين الثلاثة سببي أو زمني بينهما، فكل واحدة من الثلاثة،قصة قائمة بأحداثها وشخوصها وهناك ترابط زمني بينهما يكتسب أسطورته بأحداث تاريخية مهمة، الزمن يدخل في تركيب الرواية كعنصر مهم يسهم في تشكيل الخطاب الأدبي ويدخل تحديداً في عملية صياغة الحدث وترتيب الواقع .
( وبالرغممن ان المكان والزمان عنصران متلازمان لا يفترقان فأن المكان ثابت على عكس الزمان المتحرك ، وهو في ثبوته واحتوائه للأشياء الحسية المستقرة فيه يدرك بالحواس إدراكا مباشراً ذلك ان المكان صورة أولية ترجع الى قوة الحساسية الظاهرة التي تشمل حواسنا الخمس على عكس الزمان الذي يدركه الإنسان إدراكا غير مباشر من خلال فعله فيه )#1
السرد على لسان الراوي العليم الذي يهيمن على عالم روايته ويتداخل بالتعليق والوصف الخارجي، وقد جاءت الرواية عبر خمسة فصول .
الفصل الأول( باب الله وباب الزعفران )
أستعرض السارد أماكن العسكرية في منطقة بنجوين الواقعة شمال العراق حكايات مؤلمة أبان الحرب، منطقة بنجوين تقع أقصى جبال كردستان من جهة إيران حيث الحقول والقرى وقناطر المياه والشلالات والوديان لها أسماء غريبة، السارد نعيم عبد مهلهل في هذا الفصل يسرد لنا الخرافات والأساطير في تلك الأمكنة ومسميات تبدو أكثر غرابة، تحدث عن شيخ يدخل الكوخ بين فترة وأخرى والناس تشاهده ولا أحد يتجرأ الدخول الى الكوخ وهو موجود داخله خوفا من وقوع كارثة،بعض المارة يضعون له الطعام في باب الكوخ تمتد كفه المرتعشة لالتقاطه وعندما يخرج الشيخ يدخل الناس الى الكوخ للتبرك بما يجدونه من فتاة الخبز او أوراق، الكوخ يدخله ضوء من فتحتين مختلفتين أسماها الناس باب الله باب الزعفران .
سرد جميل،حفلت الرواية بمستويات زمنية متعددة، فهناك زمن تدور فيه الأحداث وزمن تستغرقه الأحداث واستذكارات الطفولة زمن استرجاعي( فلاش باك ) وكذلك عنصر المكان أحياناً يستخدم مصطلح الفضاء الروائي أكثر شمولية من المكان الروائي:
( لكن طفولتك أيضاتأتي نعوش جنود ضحايا حرب السبعينات التي يسمونها حرب ( برزان ) أخوك عبد الأئمة خدم في منطقة سبيلك في جبال اربيل ومع قلقك الطفولي عليه يسكنكَ الرعب كلما أتوا الى محلتنا بنعش لجندي قتل هناك ، تهتز فيك كل الحواس المخيفة وأنت تسمع تصاعد نحيب الأمهات وصراخهن ) ص7
في الفصل الثاني
ينتقل بنا الراوي الى طنجة ولماذا سميت بهذا الاسم وكذلك يتحدث عن فان دام الممثل الذي يمثل دور الجندي في الفيلق الفرنسي مستذكراً الفيلق الأول في شمال العراق وعن الاسكندر المقدوني ولعنة بابل متسائلاًفي حوار جميل بين الراوي ومدير فندق أطلس فؤاد الشعيري قائلاً:
( هل يعرف فان دام ابن بطوطه؟)
وتصويره الأفلام في طنجة والممثل أنطونيوباندرياس مثل دور الرحالة ابن فضلان في فلم المحارب الثالث عشر واستمر الحديث عن كالكامشفي سعيه الى الشيء ( المنى) وسفينة نوح (ع)التي آتت الى هنا من مناطق سومر والشاعر موزان وعن الاهوار والقصب وعن اللغات ومدينة الجبايش .
( مادامالأمر كما يقول السيد الشعيري، فأنت هنا تفتح بابا جديدا لحياتك وسأستمع معك بحضور وطنك السومري الذي أحبه وأعرفه جيداً معك حتى عندما تريد ان تجلس على رصيف التنابلة ونتمنى الوصول الى أوربا؟) ص10
( أظن أن محمد شكري كان مؤمنا ان سفينة نوح رست في طنجة، وحمامته من أخبرته أن الطين جا، فسمى المكان بطنجة ) ص11
استعرض الراوي في هذا الفصل لبعض الأسماء المطرب الريفي داخل حسن وكذلك شكسبير ورامبو وفكتور هيجو وتطرق الراوي العليم الى الحكايات وقصص الجدات عن الثعالب التي ترتدي المكر والخديعة في حياتنا وحكاياتها مع الدجاج كانت هناك فصائل من قوات المارينز تسمى الثعالب لأنها تتعامل مع الغش والاختفاء في المرور مستذكراً عام 2003 .
( ولانأور المكان الأثري الذي قاده قدره التعس منذ احتراق أور والى يوم أتىإليها جنود رونالد رامسفيلد قد مسكت سوء طالع عندما قررت الدولة قبل عام 2003 أن ينشؤا على بعد ميلين منها قاعدة الأمام علي الجوية التي اتخذها الأمريكان معسكراً لها لولئك الغرباء ارتدو بدلات نمور مرقطة ولكن عقولهم كانت تحمل أفكار الثعالب )ص13
استذكر السارد عن لسان الراوي العليم الاسكندر المقدوني في بابل والذي أمر جنوده ان يقضوا على الطيور لان طائراً طاف عليه في المنام وقذف فضلاته عليه فوق تاجه، ذاكراً أور وأكد والوركاء ولا رسا وتللو، لكنه لايستطيع دخول الاهوار فشل بالدخول الى مناطق مغمورة في المياه والقرى المشيدة من القصب، عاد منكسراً الى بابل وبعد أيام أصيب بمرض الكوليرا ويموت وهو يعيش الكآبة التي شاهدها في منامه الطير الذي رمى فضلاته على رأسه حكايات لطيفة :
( كلا لقد كانت طنجة أقصى ما يتمنى كان يقول : هنا توقفت سفينة نوح، أذن هنا العالم كله .
ها أنت تودع طنجة قبل ساعات ولقد حرصت أن تودع قبر الرجل المعيدي الذي جاءها تاركاً ربايا جنديته وصباحات جواميسه وقبر زوجته وبيوت القصب الطافية على أديم الماء الأخضر ليسكن صمت قبر في مدينة لم يفكر أي معيدي من أهل الاهوار الوصول إليها ) ص20
الرواية متعددة الرواة أو الأصوات منها صوت مليحة فتاة مغربية من أصول امازيغية زوجة الراوي العليم، وكذلك فؤاد الشعيري / سيروان الكردي / المترجم المندائي / هادي الحسيني.
( يسمح الحكي باستخدام عدد من الرواة ويكون الأمر في شكله الأكثر بساطة عندما يتناول الإبطالأنفسهم على رواية الواقع واحدا بعد الآخر ومن الطبيعي ان يختص كل واحد منهم بسرد قصته او على الأقل بسرد قصة مخالفة من حيث زاوية النظر لما يرويه الرواة الآخرون وهذا يسمى عادة بالحكي داخل الحكي وعلى مستوى الفن الروائي يؤدي هذا الى خلق شكل ضمير متميز يسمى الرواية داخل الرواية )#2
( ها هي مليحة معي بسمرتها الناعمة وهي تضيء مثل سيوف البرونز التي يدافع بها الامازيغ عن قراهم الجبلية أيام غزو الرومان)ص21
يدور حديث بين الراوي وزوجته مليحة يستذكرون فيها أسماء الممثلين وأسماء الأفلام وبرجيت باردو والعلماء النرويج وذكريات كثير ممتعة :
( والعالم النرويجي هايردال شبع من رائحة فضلات الجواميس، وهو يسعى لبناء سفينته من القصب هناك ؟
قالت مليحة وهي ترمقني بنظرة ضاحكة: هذا باب لرائحة الروث ) ص23
باب رائحة الروث يضاف الى باب الله وباب الغفران وباب القبر وباب كمب اللجوء، ويضاف ذكر المطرب حسين نعمة وكاظم الساهر وناظم الغزالي وداخل حسن وناصر حكيم والبياني وسارتر وسعدي يوسف وآخرون كلها استذكارات في العراق وسوريا وفي طنجة الاهوار وليالي عمان .
ينتقل بنا الراوي الى منطقة الاهوار ورعي الجواميس مع زوجته الامازيغية التي اعتادت على هذه الحالة وعلى الجو الرطب في الصيف وسميت زوجة المعلم ، لأن زوجها معلم في المدرسة التي أصبح مديراً مع ثلاثة معلمين لأن عدد الطلاب قليل فيها صفوف من الأول حد الرابع ، المكان يساهم في خلق المعنى داخل الرواية ولا يكون دائماً تابعا او سلبيا بل انه أحيانا يمكن للروائي ان يحول عنصر المكان الى أداة للتعبير عن موقف :
( مختصراًالأيام القادمة ان مسعد تزوج وأنجبت له زوجته بعد مرور شهر اخبرنا ان زوجته تنتظر صبياً يسميه موزان على اسم أبيه )ص46
( أما مليحة فقد أتتألينا بتوأمين ذكر وأنثىالذكر أسمياه نوحاً والبنت أسميناها طنجة)ص46
في الفصل الأخير الخامس
يذكر الراوي دخول داعش الى الموصل من خلال مسعد وهو عسكري في الموصل الذي اسر من قبل داعش الى سجن اسمه بادوش وينجو من قطع الأس بفدية من أهله.
( حافظ الشاب على حياة مسعد لمرات عديدة وكنا نرسل الى أهله ما يطلبه من حوالات ولكنه قلل من المبلغ كثيرا فكنا نرسل إليهم في كل تحويل 500دولار ) ص53
وتنتهي الرواية ( صورة ووجه وعطر موزان يذهب ويجيء من خلال ابنه وحفيده ومليحة الاهوار تستلم رسائل الشوق من الأصدقاءوالأقارب في طنجة وأوسلو والمعدان فرحوا هنا كثيرا أنهم تصاهروا مع الأمازيغ ويفكر بعضهم الآن بيع جواميسه والسفر الى طنجة للعيش فيها )ص61
بفضل موهبته البارعة في الكتابة كونه بنك معلومات استطاع الراوي نعيم عبد مهلهل ان يوفق في توضيح ترابط ثلاثية العنوان الترابط الزمني والمكاني (زمنكانية) للأحداث الكثيرة والاستذكارات يجعل المتلقي أكثر متعة لهذا النوع من السرد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#1يوسف كرم تاريخ الفلسفة الحديث
#2بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي د. حميد الحمداني
# الرواية صدرت عن دار نينوى للطباعة والنشر في دمشق 2017
Post A Comment: