عام وشهرين منذُ تركتُ الغُربة نهائي وشديتُ الرحال الى أرض بلادي، أربعمائة وعشرين غُصة منذُ مكوثي في مَنزلي وحيدٍ كجثة  والسبب أن هُناك مُجرمٍ داهم جسدي عندما كنتُ على وشك غفوة في عُزبتي، أغتصبني من شعر رأسي حتى أخمصُ قدمي، تلذذ بِكل قطعة من جسدي ورجمني جسد دون شهقة وزفرة الى سَريري، مُجرمٍ ملعونٍ وساذجٍ وقبيحٍ منذُ أول وهلة قَرر وأختار جسدي وجبة لنتانته وقُبحه الكثيف، جعلني يائسٍ كفاتنةٍ مات عاشقها قبل يومٍ من الزَفة، ذابلٍ كوردة شِتاءٍ عاطشة ووجهي أسودٍ كقطعة فحم .

إيه بشرفي أن القولون العصبي أغتصبني ، فظ بكارة ابتسامتي وضحكتي ونشوتي وسعادتي وفرحي ، سبب لي الأوجاع والشرود في الذهن ، داهمني ذات غفلة فقام بِغرس خناجره في جَسدي دفعة واحدة، حتى أن الدَم سال من فَمي وأنفي الى وسط فِراش نومي الأبيض، كنتُ مغتربا، مبتسما، ضاحكا أطلقُ الأُغنيات من فَمي في كل لحظة فأنقلبت عيشتي في ظرف ليلة، غَرس المناجل في ظَهري والسكاكين في رأسي والمشارط في صَدري و إبر الخياطين في قلبي وقلبي وقلبي

جعلني أخذ قراري فجأة وأطلبُ خروجٍ نهائيٍ من المملكة لأجل العودة إلى بلادي، أعرضني على الأطباء في مَنزلي وفي أماكن عِدة، غادرت وقبلُ وداعي من الغُربة ودعتُ تعاستي بمليون بَصقة ولعنة ولعنة
ثم وصلت بلادي مُحملاً بكثيرٍ من الهدايا لعائلتي على هيئة أعراض هذا المرض الذي انتزع مني حتى شراهتي للأكل ومخالطة الناس وجعلني أعشقُ الوحدة .

بعد خمسة أشهر من مكوثي في منزلي بدأتُ أشعرُ بالراحة والعودة للحياة، حياتي الطبيعية التي قد كان أنتزعها مني هذا اللُص والمُجرم، في منزلي وزواياه ظليتُ معتكفاً وجواري زوجتي والوالدة وأفراد العائلة ، كانوا يغرسوا في أرض قلبي شتلات من الأمل ويسقوها بِكل ضحكة  وبعد ستة أشهر صَرخت وقلت وداعا يا أيها المجرم اللعين وهاك مني مليونٍ رَجمة، كانت شهورٍ تعيسة لا أنكر هذا جعلتني أقتات من وجعي وأشربُ من دموع زوجتي ووالدتي عندما ينظرن إلي مريضاً بلا حول ولا قوة 

و بعد عامٍ وشهرين  من النوم ، قررتُ  أشد الرحال بحثا عن طلب الرزق واللقمة الحلال فأنا إنساناً أكتمُ ضجيج أمعائي الفاضية كي لا يسمعها البعض وينزعج أكثر وأكثر ، أربط الحجارة فوق بطني ، أقتات من تُراب منزلي عندما أشعرُ بالجوع ثم أرجمُ بكل شيء خلفي ، هأنذا أكتبُ أوجاعي وأقبرها في هذا العالم كي لا تظل تؤلمني، 

سأشتغل زبالاً أو نادلاً أو كاتباً أو عازفاً أو راقصاً أو خياطاً أو مطرباً أو فنانا أصدح بصوتي الجميل واُغني للحب والسلام  ، الأهم أن لا أشتغلُ فتالاً ألفقُ التُهم الزائفة ثم أرميها في وجوه الأنقياء،  أن لا أشتغلُ سياسيٍ مخزوق ورجل دينٍ منبوذ   ، أن لا أكتب للحرب والموت والدمار وقطع الأكفان وإراقة الدماء وزيادة المقابر وسقوط الدموع من كل عين ، وإذ لم أحصل على فرصة عمل سأحول جسدي إلى ملابسٍ للفقراء الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، أو سأفتتني إلى حُفنات من دقيق كي يشبع بي الجوعى ... 



Share To: