لديّ مهارة فظيعة بالكذب ، لم أستطع التخلي عنها البتة ، وصل بي الأمر إلى زيارةِ طبيبٍ للقلب ، كي ينظفه من كل نقطة سوداء ومن كل كذبة وشائبة لكنه لم ينصت لطلبي ، أتهمني بالمُختل والمجنون ، ثم قال لي : أستطيع أن أتخلى عن هذه العادة بإرادتي وعزيمتي والخوف من عقاب الرب ، حاولت كثيراً لكن كل محاولاتي باءت بالفشل ، أعترف أنني عُدتُ مهزوماً أجرُ أذيال الخيبة والهزيمة ،
بُتُ أكرهني كما تكره الزوجة القديمة طبينتها التي تشارك زوجها تبادل القُبل الحارة فوق السرير داخل غُرفة النوم ، لهذا السبب جعلتني أشكُ بأنني من شجرة مُسيلمة الكذاب ، الشخص المكروه قديماً وحديثاً، حتى أنني أصبحتُ مشهوراً بالكذب والتلفيق ؛ جعلت الكثيرين ينظرون إلي بنظرة مصغرة ، أصبحتُ مكروهاً في أوساط المُجتمع ، حتى اُمي لم تعد تحبني كما كانت سابقاً والسبب ممارستي للكذب والتدليس أمام العامة .
إنني أمقتُ هذه العادة التي تغتصبني، تغرس خناجرها الحادة في دماغي ومناجلها في قلبي ، تتجول في أوردتي وتنبضُ في أجزائي كُل لحظة ، ماذا أفعلُ وأنا الشاب المسكين الذي يمتلكُ قلبٍ من رماد بمجرد أن تأتي رياح قوية تشتت قلبي إلى كل جبلٍ وواد، كيف أتغلب على هذا المرض الملعون الذي ليس له علاج، زُرتُ جميع العيادات والصيدليات دون فائدة ،
سرقتُ ذَهب والدتي الذي أهداه لها والدي عندما أتى طالباً يدها من والدها وعلى إثره أشتعلت الموسيقى ورقصة النجوم والمجرات والأشجار على رنين الوتر وصوت الزفة، عرضته للبيع بمبلغٍ بسيط جداً ، أخذتُ النقود ثم سافرت إلى الخارج، عرضتني على طبيبة جميلة في إحدى مستشفيات القاهرة ، قُلتُ لها أريدُ أن أتخلص من هذه العادة التي تزلزني ، تفتتني، تشتتني ، تحرقني وتغرقني وتجعلني أتصدر قائمة كذابي العالم بِمرتبة ملعون وشهادة على كل كذبة ..
وبعد أن زُرتُ القاهرة وهُناك صرفتُ نقودي كاملة فكانت النتيجة هزيلة، عُدتُ إلى أرض الوطن وجيب قميصي خالٍ من الورق وجيب قلبي مليء بالكذب نهبتُ حصة زوجتي التي ورثتها بعد أن مات أباها عنوة كي أعالجني وأتغلب على هذه الآفة، بالفعل عاودتُ البحث عن طبيبٍ بارعٍ كي يعالجني، نصحتني صديقتي أروى بالذهاب إلى الاُردن
حزمتُ حقائبي وركبتُ الطيارة ، وصلتُ عمان، هُناك حجزتُ غرفة فاخرة في فُندقٍ فخمٍ مليء بالنبيذ وفتيات الليل، شربتُ أربع قواريرٍ مُعتقة وضاجعت ثلاث فاتنات حسناوات، كانت ليالي صاخبة، تلذذتُ بالمشروبات وأحتضنت الفاتنات وقبلتهن بشراهة ، ظليتُ شهراً أمارسُ هذه المهنة السخيفة بِحق الحُب، التي تقلق الرب ويهتز لها الفراش والعرش ، السماء والسرير ، وبعد أن نفدت نقودي تركتُ الفُندق ولعنتُ العاهرات والنبيذ ، عُدتُ أستغفر للرب في كلِ سجدةٍ وركعة، طردتُ إبليس بعزيمتي وقوة إرادتي، عُدتً أرفع يديّ نحو العرش طالباً من الرب أن يكفر عن ذنوبي وسيئاتي ، عرضتني للعمل في القطاع الخاص، أستلقفني كهلٍ يُدعى نادر، جعلني أعملُ لديه مُنظفٍ للسيارات والقطارات، كنتُ أضعُ الصابون وسط الماء، أبللُ خرقة بيضاء ثم أفركها فوق جسد كل مركبة مُقابل راتبٍ بسيط،
شعرتُ بالراحة العظيمة في هذا العمل الذي لا يقلق أحد، الذي يجعلني إنسانٍ سليم أؤدي عملي بإتقان ، لا شيطان ملعونٍ أمارسُ مهنة الكذب كما كنتُ سابقاً، الكذب الذي أنتزع مني كرامتي وشوهه سُمعتي وجعل الكثير يطلقون علي بحفيد مُسيلمة الكذاب ، أشتغلتُ أربع سنوات إلى أن وجدتُ جيبي ممتليء بالنقود الحلال، عُدتُ إلى أرض الوطن فأعدتُ نقود اُمي وزوجتي وتخليتُ عن ممارستي للكذب، الكذب الذي جعلني أنحرف إنحرافاً ملعوناً، أمارسُ العهر وأنام جوار العاهرات الساذجات العاريات المُتبرجات وأشربُ المسكرات رشفة رشفة.
Post A Comment: