يسير بخطوات بطيئة متجها نحو المركز الطبي، وأثناء ذلك تتباطأ خطواته وتتثاقل أكثر،يحس بدوار وبرجفة في يديه، لعل البطارية،تكون هي لاغير ،لم يغيرها ولم يستبدلها منذ مدة، كان يغيرها مجانا كل ستة أشهر، قلبه يكاد يتوقف ،ويتصبب العرق الكثيف على جبهته،عرق ساخن،ويرتجف أكثر آه لوكان ولده معه لاسعفه ولنقله في التاكسي الطائرة إلى المركز وفي غمرة ألمه يحس بدوار آخر حتى الأرض تميل به إنها تميل ويميل جسمه ويسقط ،ومباشرة تبدأ ساعته الشريحة المغروسة داخل الجلد تبعث في رسائل النجدة وتقدم حصيلة فورية للمركز حول المريض،مثلما كان يقول أجدادنا قديما الملف الطبي، ولم يفق ولم ينتبه للوقت الذي مضى ؤيفتح عينيه في صالة كبيرة مترامية الأطراف، فيها روبوات عديدة في ذهاب واياب منهم العاملات والممرضات والأطباء ،الكل قائم بواجبه، وتجري طبيبة نحوه ،صباح الخير ، قلبك كان به صدأ منذ مدة لم ينظف،امتنع عن هذا الفعل،قبل أن تتعرض لعقوبة كبيرة ،المهم أنت صالح للعمل ويمنكك المغادرة مساء، واشكر الكلب الصغير هو الذي حملك ورفعك في السلالم،وأشارت إلى كلب روبو ملون جميل ،يبدو أنه صنع هذه الأيام ويبدو ذلك من الصفائح المعدنية اللماعة وقطع البلاستيك ،وأضواء مختلفة زادته بهاء وجمالا،استدار المريض نحو الروبو وحياه بهز رأسه ووضع قطعة بلاستيك في فمه مكافأة له لإنقاذه،هذه القطعة محببة للروبوتات تجدد خلاياها العصبية وتجعل مدتها تطول،وفي المساء خرج من مركز الإنعاش والتقى مساء بولده الذي عرف كل شيء عنه بواسطة الساعة التي أخبرته وصورت كل الوقائع وتتبعها ولده عن بعد،كان الرجل المريض يحس بالجوع ،وقرأ ولده أفكاره بواسطة انبعاث حرارة المعدة التي تلقتها مفكرة الولد،أحضر الولد صينية تحمل أصنافا غريبة من المأكولات شبيهة بقطع وكبسولات وأقراص شبيهة بالدواء تناولوا منها بقدر جوعهم ، وتناولوا الماء هو السائل الوحيد الذي مازال يستعمل ولم يعوض، ورفع ولده ذراعه ونظر في باطن كفه وانبعث شعاع وظهر في الشاشة روبو يخبره بأنه ينتظره بالتاكسي الطائرة ليعود به للعمل،وافق الولد وأومأ برأسه،وأنزل ذراعه فانطفأ الهاتف ، فشريحته مغروسة داخل الجلد، عاد الابن إلى عمله ،أما الأب فاستراح بالاستعانة بوضع جهاز صغير على جبهته هذا الجهاز يريحه ويبرمجه لعمل الغد ويبعث ويستقبل كل المكالمات والرىسائل، وأثناء النوم يتراسل مخه مع الأصدقاء والعائلة ،وربما يزور بعض المدن والمعارض ،ويتناول الشاي مع أصدقائه وهذا ممكن جدا دون أن يتحرك جسمه من مكانه.
ارتاح قليلا ثم تذكر أخاه التوأم الأكبر منه،لقد عاش وتوفي في عمر ستين سنة ومنذ وفاته لحد الآن خمسين سنة، ضغط على زر بجانبه وبدأ الفيديو،هاهو أخوه كان يعيش في الريف وله مزرعه صغيرة ،يملك عدة اغنام وبعض الأبقار،لكنه يعيش حياة سعيدة يبدو ضاحكا مستبشرا ،سبحان الله إنه نسخة طبق الأصل منه، خاصة الأنف والفم وكذلك لون العينين بنيتان أو لنقل عسليتان، الحياة مختلفة تماما بينه وبين توأمه ، جيل آخر بأفكار مختلفة،وتقدم هائل في التكنولوجيا،وفي العلم ،لكن ما يؤسف له هو تغير الناس،لقد فرح الناس للتقدم وصفقوا ،آه كان رهانا خاسرا للبشرية،لم يكن أحد يدري بأن قلوب الناس تتغير وتصبح باردة كالثلج، ويقل حنانها وفيضها من الحب،حتى دموع الفرد صار ينظر إليها باستغراب ويشار لذلك الفرد بالأصابع بأنه ديناصور ويحمل الجينات القديمة، لكن هناك فئة كبيرة  تتستر ولاتبدي عواطفها حتى لا تعزل هي تتخفى،تناول قليلا من الماء وتنهد قائلا: آه لماذا فعلوا بي هذا الفعل ،لماذا لم يتركوني مع أخي التوأم نولد سويا ونخرج من رحم أم واحدة،آه خدعت لسنين كنت أظن أن أمي هي التي ولدتني ،ولم أعرف الحقيقة إلا عندما أصبحت شابا وأخبرني دكتور يعمل في مركز بحوث الوراثة والجينات ،وقد صدمني ساعتها بالخبر بأن أخي التوأم له مدة طويلة منذ وفاته ،وأن أمي ماتت قبله، وفي إطار البحث للمركز تم الاحتفاظ ببويضة غير مخصبة لأمي وفعلوا كذلك مع أبي لكن كان الأمر بموافقتهما لأن الأطباء خافوا على أمي من عدم الإنجاب مستقبلا لظهور علامات مرض تمنع الولادة مستقبلا ،لذلك جمدت البويضة في وعاء وفي سائل يحفظها إلى حين الحاجة إليها ،ونسي الجميع الأمر وماتت أمه وأبوه ولم يطالب أحد بالأمر ،إلا أن جاء باحث وجدد البحث وبحث في الارشيف ومن هنا جاءت فكرة إخراج البويضة وتخصيبها بالسائل المنوي للاب المحتفظ به كذلك، وبما أن الأم ماتت لجأ المركز إلى تأجير رحم امرأة وتسمى الأم الحاضنة اوالبديلة وزرعت البويضة المخصبة ،وجاء للوجود بعدما ظن أن الأم أمه لكنها حاضنة فقط أجرت رحمها وبطنها للطفل بعدما قبضت مبلغا ماليا من المركز نظير الخدمة المقدمة. 
رجع به الحنين لأمه وأخيه وأبيه أسرة لم يعرفها ولم يعش معها إلا من خلال الصور والفيديوهات التي سلمها له المركز وبعض الوثائق الأخرى أعطاها له  المحامي، وأحس بنوبة بكاء فأسرع للكاميرات وأطفأها خوفا من تسريب سره للناس،يبكي ويشهق على الحرمان ،مازال له قلب ومازالت له دموع وهو يحمد الله ،وكان يظن أنه بدونهما وخاصة أنه نتاج البويضة المخصبة المزروعة وتأسف على حبه وتعلقه بأمه التي لم تكن إلا الحاضنة لقد خدع،نعم خدع، كيف تعطي حبك لأمك ثم تعلم بأنها ليست الأم الحقيقية،ياله من حلم وكابوس عكر عليه حياته وسممها،ويالهم من علماء تلاعبوا بمشاعره لاكتساب الشهرة والمركز والترقية ولم يفكروا فيه أبدا،يغضب ويقول: ( أنا لست روبو أنا لست حديدة ولا بطارية ،أنا إنسان، لم أكن أحتاج لحكاية طفل الأنابيب، ولا حكاية النعجة دوللي،كان يتباهى الدكتور بعلمه واعتبر استنساخ النعجة دوللي لعبة أطفال مقارنة بما حققه علمه الآن،أنا لا أحتاج لطبكم، إني اتعذب ،لي قلب ومشاعر احب واكرة اضحك وابتسم ،انا لست روبو أنا لست روبو ،يارب خلصني من محنتي)،ومازال كذلك في دهاليز ألمه وجرحه ودموعه التي لا تنقطع وهو يقبل صورة توأمه ويقبل صورة أمه، وهو كذلك وإذا به يسمع جرس صوت ساعته وهي تومض بالأحمر إنه ولده لقد عاد من العمل، يسكت ويمسح دموعه ويدخل المطبخ ليتناول عصيرا،يفعل ذلك حتي لا يعرف ولده هذا السر ،ولا يدري هل يبوح له بالأمر حتى يخفف الأمر عليه،ام يترك الأمر سرا، المستقبل كفيل بالتأثير عليه لأخذ القرار الذي يريحه.    



Share To: