كنت جالسا علي مكتبي، أطالع جريدة الصباح ، وامامي كوب شاي ساخن ،يتصاعد منه الدخان ، ،في دوائر .وكان من شدة انهماكي في المطالعة ، إنني لم الاحظ دخول فهيم بك ، من الباب الأمامي للإدارة ، حتي هل فجاءة أمامي، كالبدر ببزته البيضاء الانيقة ،وكرشه العظيم ،وطربوشه الأحمر اللامع .قمت من مجلسي احتراما ،وانحنيت ادبا، ثم ربطت ، بإصبعين زر السترة الرمادي ،وعدلت سريعا من وضع الطربوش ثم رفعت رأسي، ومددت يدي مسلما،وانتظرت.ظلت يدي معلقة في الهواء، فيما ظل البك يحدجني، بنظرة مستغربة ،من عينيه السوداوين. تأخر لدرجة احرجتني . ثم مد يده هكذا ،بهدوء واسترخاء وربما ندم .عندما لمست كف يده ، ،وجدته ممتلئا وناعما ، ،كان وجهه ايضا ممتلئا وناعما . تسرب إلى شعور بالراحة، والغني ،لم أجربه من قبل .
-اعزكم الله يا سعادة البك .
لم يرد، واستكمل مسيرته إلي الداخل .
-فهيم بك المرعشلي صاحب ومدير الكوبانيه .لم اكن لأحلم، بتلك المقابلة، ولوخططت لذلك شهورا وسنين .كنت قد أصبحت، أحد، أحدث، المستخدمين في الكوبانيه، عينت بعد أن تشفع لي بيومي أفندي، باشكاتب دائرة سعادة البك،واقنعه بطريقته السحرية، وخبرته الكبيرة بمزاج البك ،بأن الإدارة في حاجة لشاب ،في مثل عمري ،وقدراتي.عزمت علي اقتناص الفرصة. كنت أحضر في الصباح قبل بقية المستخدمين،وأقسمت لييومي أفندي، أنني سارفع رأسه عند البك .لم يكن لدي أي خبرة ،بنشاط الكوبانيه. لكن حلم التقرب من فهيم بك ،والعمل معه ،كان خطوة أولية علي طريق الهدف،أن أصبح أحد رجاله القريبين، ثم أسافر إلى سويسرا لإدارة أعمال البك هناك .ياله من هدف .لكن المشوار طويل ،يجب ان أثبت نفسي أولا في الكوبانيه، المبيعات والتسويق مجال واعد .العجمية والسمسمية من المنتجات المشتهاة. أمامك فرصة كبيرة لتحقيق حلمك ،والوصول إلى هدفك !!اجلست مرة أخرى، وأنا اغالب رغبتين، واحدة في التقييء، وأخرى في الزغردة ،الأولي بسبب تأخره في مد يده ،والثانية لأنني قابلته لأول مرة بشخصه .طالما سمعت عنه ،وعن رحلاته، وبالأخص، رحلته إلى الهند ،وابتياعه احتياجات مطبخ القصر ، من البهارات، وياميش رمضان ، من هناك .قلت لنفسي :أنت بحاجة إلي قدر كبير من الموضوعية ،وهذا يتطلب صبرا .من طلب العلا سهر الليالي. لكن اي علاقة للعلا بسهر الليالي ،سهر الليالي في كلوت بك مثلا مع الغانيات .مذاكرة ،لقد أنهيت التوجيهي بسلام، وحصلت علي الشهادة .لاحت لي يده الناعمه وهو يرفعها بكسل، وصعوبة أن اتي له ، بكوب الماء ،الموضوع أمامه اصلا . ياله من حلم سخيف .هل مازال يتذكرني اصلا ؟سمعت ذات مرة ، في حوار لبيومي أفندي ،مع بعض أصدقائه، أن البك يمتلك مزرعة للبط السوداني والمستكوفي ،وكان بيومي أفندي يقول، وهو يضحك :لو أكل فهيم بك كل مساء بطة واحدة لما نفدت مزرعته، ولوبعد خمسون سنة ...ها ها ها 
تذكرت فجأة الجريدة ،فزاد ذلك من احباطي .البك لا يحب المثقفين هذا غير ان البك رأي مع الجريدة في أوقات العمل الرسمية.،وهذا يستوجب تحويلي للتحقيق . 
أي خيبة امل تلك .لكن للبك ميوله السياسية ومعروف حبه لسعد باشا وقربه من السرايا !!


Share To: