أنا من جيل لم يعتد على الوحدة، كنت وجيلي لا نذهب لبيوتنا إلا للنوم، الحارة تعج بالصخب، ملاعب كرة القدم الترابية، الدّكات، القهاوي، ونشعر أن الحارة هي كل العالم، لا شيء يهمنا في العالم سوى فلسطين، التي كنا ندفع مصرفنا لصالحها، لهذا حتى نشرة الأخبار لم تكن تهمنا، يهمنا عبدالكريم سمارة مراسلنا هناك، لنكمل بعد ذلك الركض في الشوارع، ونشرب من مياه السبيل، الجميع يشرب من البرادة، من فم البزبوز، لم نعرف الأوبئة حينها.
تتغير الحياة، تظلم الحارة، وتغلق المقاهي الشعبية بداخلها، وتهجر الملاعب، ويسكب الزيت على الدّكات، ثم لا قضية في زمن الخيبات سوى وحدتك، وتغربك الذي تعيشه، وتحاشي الجميع أن يضرب موعدا في زمن الخيبة هذا، انكساراتك حاول أن تكنسها لوحدك وتحرقها وتشاهد الكيمياء التي أمامك لوحدك، لا بأس بشعور الوحدة، لتحضر الحروف افتراضيًا، ويشاهدها أناس مثلك، كنسوا انكساراتهم، ووضعوها تحت السجاد، وفي طفايات السجائر، وفي أصص أشجار الزينة، وفي زوايا المقاهي الخالية حتى في الأيام الممطرة، ليس لك إلا أن تنسجم مع وحدتك، وتختار لها الموسيقى التي تجيد أن تربت على كتفك، وأنت تنظر في أخاديد الطاولة التي تضع عليها يديك وأنت تقابل المقعد الخالي إلا من خيالاتك، بأن شبحًا يجلس معك، لا بأس حافظ على شبحك المقابل، ولا تورط أحدًا معك.
وتذكر أنك أصبحت تكتب هنا لسبب صغير، وهو أنك ذهبت صباحًا للفوال الذي بجوار منزلك، والسماء تمطر، وقدمت الطبق للعامل، فغرف لك ما يشبه الفول، ودفعه لك، لتذكره بأن يضيف زيت الزيتون، فينظر في الفاتورة، ويخبرك أنك لم تدفع ثمن زيت الزيتون، فتخرج من المحل، والسماء تمطر، لتردد: حتى أنت يا زيت الزيتون.



Share To: