بالتأكيد فالمقولة صحيحة إلى حد ما،فالشاعر يولد في بيئة، وينشأ بها،أوقد يترعرع في محيط مغاير يتشبع بمناخه، ويشرب من معينه،ويتغنى بالطبيعة وينهل منها ليلها كنهارها،غناهاوجفافها
يشارك الناس أفراحهم وأحزانهم وأحلامهم ينغمس في الطبيعة ويحل فيها.
وقد صنف التاريخ الأدبي وجود العديد من الشعراء، الذين حملوا من المتانة الشعرية، وتكرمت قريحتهم بالجيد من الصور القريبة الواضحة التي صورت المميز من المشاهد الحية.
وقد شهد التاريخ الشعري تقدم شعراء بعينهم في هذا المجال،وأغنو الخزانة الأدبية، ونذكر من ذررهم زهير بن أبي سلمى الشاعر الفحل والتابعة حاكم الشعراء في عصره في سوق عكاظ،ومن الشعراء الفحول الذين قدمهم الناقد إبن سلام الجمحي في مجلده طبقات فحول الشعراء 132ه.
فقد كانا الشاعران من أفضل الشعراء الذين صوروا تاريخ زمانهم بدقة وأجزلوا الوافر،
فه الشاعر النابغة وقد جلس مثعبا في منزله وإذا بقومه يلحون عليه التوسط لهم في أسراهم
لدى ملك الحيرة النعمان بن المنذر ملك الزمان في عصره،فقد كان هناك صراع داءم بين الغساسنة والمنادرة، وكانت للنابغة حضوة وميزة لدى الملك.
الشاهد في القول قصيدة للشاعر يدعوا فيها ابنته أميمة بأن تتركه وشأنه.
يقول النابغة الذبياني:
كليني لهم يا أميمة ناصب
وليل أقاسيه بطيء الكواكب.
فل تلهني دار ولا أم منزل
ولم يشغلني قصر أو بنان مخضب.
وثانيهما زهير بن أبي سلمى شاعر الشعراء ونبض الحكماء العارفين وملهم القراء الشاعر الفحل العبقري الراقي المتميز والاحساس الفياض والراقي جمع حكمة 80سنة ،بحلوها ومرها ،وأصبح يميز بين السلم والحرب، ولديه بصيرة ودراية وتجربة عميقة في بيئة صعبة.
يقول الشاعر:
رأيت المنايا خبط عشواء
من تصب تمته ومن يخطيء يعمر فيهرم.
ومن يفعل المعروف في غير أهله
يكن معروفه ذما عليه فيندم.
إنها صورة حية، ولوحة تشكيلية، من فن راق ورؤية عميقة تبنتها فلسفة الشاعر الخبيرة بشروط الحياة ،وهو الذي سأله العامة عن الحرب فأجاب:وما الحرب إلا كما علمتم.
صدقت أيها الحكيم فلكل رؤيته للحرب، كيف عاشها، فهو يفتح للقارىء مخيلته للبحث والتفكير، ولقد كان زهير أقدم من هؤلاء الألمان فرانك ايزر وروبير هاوس الذين تبنوا نظرية التلقي.
أليس في بيت زهير حكمة وتعقل ورزانة وعدم الاستبداد بالرأي.
فالحرب لها تمثلات، لكل قراءته وتحمله لشروط الحرب، وقد كان المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يفرون ويخافون من الحرب.
فالحرب أكثر مما تشاهد في الصور الوتاءقية عن حروب العالمية، فالسيف أشد وأمر قد تعود أو لا تعود.
وقد صور لنا أحد الشعراء نظم العلاقات العامة في الجاهلية في بيته الشهير:
ونحن قوم لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
أليس هذا تصوير بليغ لعقلية العربي قديما، يصور بيئته وعقليته والسياسة المتبعة في طرق الحكم في الأندية وقد صور القرآن ذلك فليدع ناديه.
ويعد الأديب العملاق أحمد أمين أكثر كاتب ومثقف جمع تآليف عديدة أغنى بها الساحة الأدبية بفكره المنير تحت عناوين جمة:فجر الإسلام، ضحى الإسلام، عصر الإسلام.
وهو تقسيم مرحلي دون فيه لمرحلة زمنيةلأدب اضمحل فيه الشعر لشروط المرحلة التي تقتضي إرساء التعاليم الدينية ونشر بساطها في البلدان الأخرى لأن دعوة الإسلام كانت عامة.
غير أن ذلك لم ينف وجود مجموعة من القصائد التي نسبت للعصر الجاهلي والقول ليس لي فقد عزل طه حسين لشكه في التاريخ الأدبي لهذه الفترة.
قلت أنه في هذه الفترة خوفا من سلطة الخليفة عمر تقزم الشعر وتم نفي الشاعر عمر بن أبي ربيعة لغزله الفاحش، ونفي الحطيئة لإكثاره من الهجاء، كما تم نفي أبي مهجن الثقافي لأمر آخر.
إذن فالشاعر استعمل مجموعة من الأغراض الشعرية التي عبر بها عن نفسيته إزاء العالم الخارجي الذي يعتبر جزء منه وهذا حال الشاعر العباسي إبن الرومي الذي كان متقلبا ومزاجيا تحدث عنه الناقد النويهي والعقاد واعتبروه طبقا للكاتب صلاح عبد الصبور في مؤلفه قراءة جديدة لشعرنا القديم ،من المرضى النفسيين حيث كان يقلب القصيدة من مدح إلى هجاء.
والشاهد أنه ذهب ليمدح ليمدح زوجة هارون الرشيد وقال فيها:
أضاء شعري على بابكم
كما ضاء عقد على غالية.
وأجزلوا له العطاء، وعندما خرج من باب القصر كتب عليه:
ضاع شعري على بابكم
كما ضاع عقد على غالية.
أليس هذا ضرب من الجنون.
ولكن عندما نتحدث عن شعره فهو مجيد وشعره لذيذ وممتع، عقليته هاته جعلت الجميع ينفر منه وخاصة حبيبته عريب وقد تحدثت عنه قصيدته
الشعيرة:
أأيام لهوي هل مواضيك عود
وهل لشباب ضل بالأمس منشد
أقول وقد شابت شواتي
وقوست قناتي وأضحت كدنتي تتمدد.
ولذت أحاديتي الرجال وأعرضت سلمى وريا عن حديثي ومهدد.
يا
نذهب في نفس العصر عند شاعر مجيد يقتني من العبارات حلوها ترعرع في بيت الأدب والشعر فقربه له الخليفة هارون الرشيد نديما له ولحاشيته من القوم ولقد صور ذلك في بيته.
يقول الشاعر أبو نواس:
وأحور ذمي طرقت فناءه
بفتيان بكر ما ترى فيهم نكرا.
هؤلاء الفتيان أو الشباب ليسوا منكرين فهم معروفون لدى العامة يجالسهم الشاعر يتحفهم بالمعاني والصور.
تجربة أخرى صورت لنا مشاهد حية من العصر الأموي الأخطل وبشار
ولكن ما نريده هو عمق الشعر من المديح والهجاء الذي سخره جرير والأخطل شعراء بني أمية وأضيف إليهم الشاعر الهاشمي الكميت
استطاع جرير والفررزدق اللذان شغل زمانهم بالأروع من القصائد لو أن الفرزدق كان يعز بني هاشم والشاهد عندما مر سبط رسول الله الحسين بن الإمام علي بمسيرة واستقبله الناس فسأل حاكم الأمويين من هذا الذي!
فقال بيته الشهير
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله.
ولكن جرير قال في الفرزدق:ووجهك يا عمرو فيه طول وفي وجوه الكلاب طول .
ورد عليه الفرزدق:
سبحان الذي سمك السماء بنى لها بيتا دعائمه أعز وأطول. أعطيت للشعراء سما نافعا
وسقيت آخرهم الكأس الأول.
وشعر البيئة والطبيعة غزير جدا ونابع من تشبع الشاعر بمحيطه وإسرافه فيه والنمودج الفريد من دراستنا النقدية والذي يشكل مدرسة بعينها كونه أترت فيه وأدختله في مناوشات عدة في قصائده، الشاعر ذو الرمة شاعر مجيد وقدير من أسياد عصره في الشعر ،ويقال أنه ينشد شعره في سوق الإبل، فجاء الفرزدق فوقف عليه، فقال له ذو الرمة:كيف ترى ما تسمع يا أبا فراس؟ فقال:
ما أحسن ما تقول.
قال:فمالي لا أذكر مع الفحول؟
قال الفرزدق:قصر بك عن غايتهم ،بكاؤك في الدمن، وصفك للأبعار والعطن "
وقال أبو عمرو بن العلأ :ختم الشعر بذي الرمة والرجز برؤبة بن العجاج.
وقال جرير :لو خرس ذو الرمة بعد قوله قصيدته التي أولها:
ما بال عينيك منها الماء ينسكب
كأنه من كلى مفرية سرب.
لكان أشعر الناس.
والشاهد في هذا البيت تأثر الشاعر بالبيئة وغلوه فيها حتى أنها جنت عليه في مدح عبدالملك بن مروان، الذي كان مريضا بالرمد في عينه وكانت تصب بالماء، ولكن الشاعر مدحه بما لا يستحق المدح ،فكان يريد وجه الشبه الكرم والعطاء العزير والمستمر وهي صفات إعتاد الشاعر أن يراها في الطبيعة ولكنها أثارت عليه غضب السلطان وسجنه في قصره كما تقول بعض الدراسات ولمدة6اشهر أحيط فيها بالجمال والرقي وتأثر به وعندها أنشد قصيدة مدحية جميلة شفعت له لدى السلطان.
إذن فالطبيعة معطى قاءم الذات في نفسية الشاعر ينهل منها ويصب معانيها في قوالب شعرية مميزة وهذا الشاعر قيس بن اللواح وهي مدرسة لا يجب أن نغفل عليها، يتيه نحو الصحراء ،وقد أدركه الجوع واصطاد ضبية علها تطفي غليله ،وبعد أن تمعن فيها وجد وجد الشبه بينها وبين حبيبته ليلى.
وأنشد:
عيناك عيناها وجيدك جيدها
وأنت لليلى إن شكرت عتيق.
هذا كان من شعرالأولين وماأفصحت عنه رغباتهم من حمولة نحو البيئة .
والسؤال المطروح إلى أي حد إستطاع شعراؤنا المحدتون تصوير حياتهم ومشاهدهم لأفعالهم وأفعال غيرهم وهل اكتسبوا من المتانة الشعرية والملكة الفكرية التي تجعلهم في مصاف الشعراء القدامى.
صحيح أنه في الشعر القديم كان هناك مداحون يسهرون الليالي الطوال ينتظرون دورهم لدى السلاطين وأعيان القبائل ولقد صور لنا العالم الأصمعي هذا الذي نعنيه حيت دخل على الخليفة ملثما وأنشد قصيدته على حين غرة من الشعراء والذي سميت بصوت البلبل فحاز على الشرف والجائزة، ولكن المثير في عصرنا هو تخبط الشعراء المعاصرين بعضهم ليس له توجه ولا موقف ولا ينطلق من فكرة أو حدث ولا له شجاعة، يقولون ما لا يفهمون. تصلبت قلوبهم وانحازوا نحو اللاشيء، لا يتحسسون بإحساس فالمعاني مطروحة في الطريق كما يقول الجاحظ 255هجرية. يكفي أن تنظر من حولك فترى الحسن والقبيح المزهر والمقفر، المعاني الهادفة والمفيدة التي تصلح المجتمع وتنيره وتضيئه بالذرر النفسية فتراه يحمل الجد والهدوء والشفاء والدواء والحماسة والفخر والعذوبة بالمعاني النبيلة الأخرى.
هكذا إذن كانت لنا في أشعار زهير والنابغة والمتنبي ثقافة وحكمة لا نظير لها، فقد كان المتنبي يفحم العالم الجليل إبن جني في النحو 170ه صاحب كتاب الخصائص، فقد جمعوا العلم والأدب ،لأن السلاطين كانوا لا يحبون شويعرا جاهلا، ولقد كان عبد الملك يدحض الشعراء في الشعر والأدب ولايرضى سوى بشاعر مجيد شكلا ومعنى.
Post A Comment: