في فترة التجنيد كنت في مأمورية أنا وزميلي طارق  و الذي لم أعد أتذكر بقية اسمه ، وأثناء مرورنا بالسيارة العسكرية التي كنت أقودها على المطاعم المتراصة في استواء تتصدر واجهة مدينة  التل الكبير  حتى بدت وكأن أهلها ليس لديهم نشاط أخر أو مهنة غير ذلك.  كنت أحس  بجوع شديد  و يشاركني زميلي هذا الإحساس أيضا  .. 
 وعلي مقربة من مقابر الإنجليز  الذين ماتوا في حربهم مع أحمد عرابي أثناء ثورته عليهم ومن قبله الخديوى توفبق  فى نهايات القرن التاسع عشر   أوقفت السيارة بجوار تلك المقابر...... ثم دخلنا مطعمًا جذبتني له طريقة عرض الطعام من  البطاطس والطعمية  والباذنجان المقلي وبقية الأنواع  و طريقة العرض هي  ما دعتني لاختياره  دون غيره ولم لا  وفي النفس  شهوة ورغبة في الطعام وهناك على أهبة الاستعداد  فم يمضغ  وضرس يطحن ومعدة تهضم وعافية في الأبدان وأحلام الشباب بعرض الدنيا وطولها  .
 دخلت المطعم أنا وطارق الذي أتمنى أن أتذكر بقية اسمه  وجلسنا  و وضع أمامنا الطعام ثم كانت الصدمة ... فهناك بالخارج حملة شرطة عسكرية تفتش على الجنود المخالفين وأنا  وطارق أوراقنا و كارنيهاتنا في السيارة وبدأت الإشارة من الشرطة نحونا تطلب خروجنا إليهم من المطعم لأنه ممنوع دخول و معارضة الشرطة العسكرية لنا وتفتيشنا إلا في الشارع ..... وتوقفت حركة المضغ والبلع معنا  و اكفهرت وجوهنا وبدا علينا الخوف  .. لاحظت ذلك صاحبة المطعم فقامت من على مكتبها وجاءت إلينا  وسألتني ماذا بكما ؟؟  وأخبرتها بأن أوراقنا بالسيارة وأنا وزميلي مخالفين ومعرضين للقبض علينا  وشعرت صاحبة المطعم بحرج شديد بعد أن طلب أفراد الشرطة أن تخرجنا من المطعم لكي يروا  هل  نحن مخالفين أم لا وهذا حقهم طبعًا  و بشهامة ونبل ومشاعر الأم وبثقة وتحدى للشرطة بعد أصبحت عملية القبض علينا تمس سمعتها قبل المطعم  واعتبرتها تعدى عليها شخصيا  فرفضت بقوة  كانت تستمدها من إنسانيتها وعزيمة لا تلين وإصرار شديد  ومن حضور وقوة شخصيتها ومنطقها: رفضت أن تسلمنا  لهم ........ و بعد شد وجذب وتصميم من الشرطة أنها لن تغادر قبل أن تقبض علينا وأصبحوا أكثر إصرارًا من ذي قبل بعد أن سبهم طارق السافل أحيانًا و المنفلت لسانه كثيرًا والمحترم قليلا  وكانت إشارات من الشرطة لنا بعلامة وضع الكفين علي بعضهما أي وضع الكلبشات في أيدينا  ولكن صاحبة المطعم رفضت  و أكدت أن ذلك لن يحدث أبدًا  ثم نادت لابنها  عادل الذي يركب موتوسيكل ، ودخل به المطعم ووقف به بجوار المائدة التي كنا نتناول عليها الطعام ... وبعد فراغنا منه ، بعد إصرار شديد منها علي أن لا نخرج من المطعم جائعين  ركب طارق خلفه علي الموتوسيكل وأنا خلف الاثنين   وانطلق ابنها بنا من المطعم إلى الشارع في لقطة تشبه كثيرًا الأفلام الأمريكية ثم إلي فضاء الله الواسع والشرطة خلفنا تطاردنا بسيارتها  وعادل يقود الموتوسيكل فرحًا بالمغامرة وهو يصرخ محمسا نفسه بصرخات أطلقها من داخله تحملها الرياح  تسابق سرعة انطلاقنا ولايكف عن القيام والجلوس وهو يميل بنا والكوميديا يمينا ويسارا ، وطارق يلوح بأصابع يديه لهم بإشارات بذيئة  و يسبهم وهم يباولونه ذلك  و يحاولون اللحاق بنا ولكن سرعة الموتوسيكل" الياباني الياماها أل  200 "الأزرق  حسمت عملية المطاردة لصالحنا ثم شكرنا عادل ابن صاحبة المطعم ، وطارق يرفع يديه للسماء حمدًا وشكرًا لله ، ولكن تبين من دعاء طارق أنه كان يحمد الله ليس لسبب نجاتنا وفرارنا من الشرطة  ولكن بسبب أن صاحبة المطعم لم تأخذ ثـمن وجبتنا والتي لم نكن نملك غيرها ، وسنتناول بثمنها وجبة العشاء  وتذكرت فعلاً أننا لم ندفع الحساب ..



Share To: