لا أحصر كل تفضيلي على كاتب روائي أو قاص أو شاعر محدد  ، كل مفردة جميلة قد تقع في تفضيلي ، ولا يهم من يكون كاتبها ، أحياناً أحب كتابات شباب مغمورين لا يعرفهم سوى مئة شخص أو أقل وليس لهم مشروع أدبي ولا همة بمن يهتم أو لا يهتم بإبداعهم ، لكن قد أقول الإنجليزي جورج أورويل ، كافكا ، غابريال غارثيا ماركيز ، جورج أمادو ، نجيب محفوظ ، الطيب صالح ، محمود درويش ، أمل دنقل ، أدونيس ، سليم بركات ... والقائمة تطول لهم بصمة أدبية كبيرة ومتفردة ، لا يمكن تجاوزهم.

وليس هناك رواية واحدة تمثل أجمل الروايات التي قرأتها ، بل أحب كل ما هو حديث من حيث الفكرة وأسلوب السرد أو خارج عن المألوف لذلك أحب على سبيل المثال من بين عدة أعمال روائية رواية (مزرعة الحيوان) لجورج أورويل لخروجها عن النمطية المعتادة في رمزيتها العالية بين أن تخوض الحيوانات ثورة ضد البشر كأنها تقول (الإنسان ليس هو محور الكون) في واقعية سحرية من حيث الشخوص وواقعية من حيث المضمون الذي يأخذنا في مناقشة قضايا سياسية ما زالت موجودة على أرض الواقع إلى يومنا هذا ، وهي ما صورها لنا الراوي في البحث عن العدالة الإجتماعية أو عن يوتوبيا إذا حاولنا إختصار كل ما نريد قوله وسط حكم شمولي دكتاتوري قد لا تتحقق إلا بقيام ثورة شعبية ترمى بهذا الحكم أولاً في مزبلة التاريخ..
كذلك ميلي مؤخراً لأدب الخيال العلمي في بحث عن الآخر (عن ماذا يفكر الآخر؟) أو لكون الغرب يستفزني حينا أجد كل ما هو حولي بين الغرفة بما فيه حذائي البائس هو نتاج ثورة فكرية غربية، وهذا ما يصور لنا بأننا شعوب من العالم الثالث متخلفة فكرياً ومستهلكة أكثر من كونها منتجة صناعياً، رغم أن الثورة الفكرية مادتها الخام هي ثورة طبيعة مثل الكولتان والسيليكون والمطاط والنحاس والحديد ..الخ وهي موجودة عندنا وليست موجودة عند الغرب ! وهذا ما يؤكد مدى تخلفنا الفكري.
ومن ذلك قد نأخذ نموذج المجموعة القصصية (أنا روبوت) للمؤلف والمتخصص في الكيمياء الحيوية الروسي إسحاق أسيموف ورواية (فضاء الوحي) للكاتب الروائي وعالم الفلك (ألاستير رينولدز) التي صدرت في العام ٢٠٠٠م ورشحت في العام ٢٠٠١م لنيل جائزة آرثر كلارك ، ورواية النمل للروائي  والصحفي الفرنسي (برنار فيربير) وهي جميعها أعمال أدبية تأتي في حيز أدب الخيال العلمي.
ولعل هذا ما يذكرني بالممثل الأمريكي من أصول أفريقية (ويل سميث) الذي حول دوره السينمائي أن يمثل في أفلام ذات خيال علمي ، التي منها فلم (أنا أسطورة) المأخوذ عن رواية المؤلف الأمريكي (ريتشارد ماثيسون) والذي أدى فيه دور البطولة (كخبير في علم الفايروسات) ، أي كأنهُ يريد أن يخلق لنا صورة فكرية موازية لصورة الرجل الأبيض أو الشعوب الغربية (بأن الشعوب المنحدرة من العالم الثالث وبالأخص منها السود لهم علماء ومفكرين ومستكشفين) وما يهم أنهُ وصل لقناعة عند المثقف الغربي إنعكست في أن أربعة أفلام ذات خيال علمي مثل فيها حصدت ٥٠٠ مليون دولار أمريكي في شباك التذاكر العالمي.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه إن كان هناك علماء ومفكرين وباحثين من العالم الثالث وتحديداً من السود كما يريد أن يصورهم لنا (ويل سميث) ما هو التغيير الذي أحدثوه بين بلادنهم؟ هنا قد تكون القناعة عند المثقف الغربي غير كاملة ، والإجابة على هذا السؤال قد تأتي في عدة إجابات مشتركة: ما بين تهميش السلطة لهم وإفتقارهم للبنيات التحتية ومحاربة الغرب نفسه لهم الذي يسعى لمحافظتهُ على مركزية العالم أو هيمنتهُ الإقتصادية والفكرية والعلمية والمعرفية..الخ ويرى بأن التطور الفكري والعلمي والمعرفي عند الآخر هو ما يشكل خطورة لنهاية رفاهيتهُ وقبضتهُ القوية أو (الذكية) جدا بالتحكم في الشعوب الآخرى الناظرة لنفسها بدونية (انت لا تستطيع .. من تفتكر نفسك هل انت سارتر؟) ففي مجموعتي القصصية (غباء امراة من باريس أو امرأة في مصيدة ذكاء رجل من لاسو) كمحاولة متواضعة مني عملت على تعديل هذه الصورة عند المجتمع .. وفي ذهني أدري ، حتى إذا نجحت في الإبداع في فن القصة القصيرة ، قد تأتي الفكرة غير مقبولة عند القاري الشرقي - في هذا الزمان تحديداً - فالقاري الشرقي يسبح في محيط النمطية (الأدب الذي يتناول حياتهُ اليومية) ولو هناك نقلة في قراءة أدب الفانتازيا مؤخراً أو هو يعاني كذلك هاجس الإختلاف ، وهذه أزمة تواجه إنسان العالم الثالث عموماً في رفضهُ المطلق لكل ما هو خارج عن أعراف وتقاليد وعادات المجتمع بما فيها الفكر نفسهُ ، أو خارج عن المألوف.
قد يتجلى ذلك عند هذا القاري في رواية (مزرعة الحيوان) رغم قيمتها الأدبية في الغرب وحظرها في بداية طبعتها الأولى ، لكن ليست هي بالرواية المقروءة بشدة عند القاري الشرقي بعكس رواية مثل (البؤساء) لفيكتور هوغو التي تتناول حياة الشارع البائسة اليومية بعد سقوط نابليون في العام 1815.




Share To: