كملعقة في كوب شاي مخمر، تدور عيني في الساحة المفتوحة على الحي القديم باحثة عن سكر القاع، وفي الحي القديم ياسمينة تفوح منها الأغنيات كلما هزتها ذكرى الملاعق...
بائع الكتب القديمة مهترئ ككتاب، أسأله كمن يقلب الصفحات: أتذكرني؟! كنت أقف أمام كتبك كل يوم دون أن أشتري.
لكنه يمعن في وجهي كمن يحفر في الجليد فوهة أسماك، ثم يهز رأسه كمن يقول: الباعة لا يتذكرون عشاق الكتب العابرين، بل يتذكرون من يشتريها.
ألجأ لعشرينية تفترش البركات أمام تكية، وتبيع حشائش الأرض المقدسة، أقول لها: كنت صغيرة ترافقين أمك، وكنا نمر بكما.
تنكرني الفتاة، فأرفع ورقة سبانخ كبيرة، وأحكي حكاية ترسمها العروق في الورق الأخضر، وأقول: كنت أحكي لك الحكايات المنحوتة في الورق الأخضر، سلق سبانخ دوالي...
مثل الطرخون الفاقد للذاكرة، تنكرني تلك التي كبرت، فأستند على الجدار العتيق كيلا نسقط معا، ثم أغوص في السوق...
لا المسجد يتذكر صلواتي القليلة، ولا الأزقة تبصر في وجهي فتى المغامرات الكثيرة، ولا الحمامات تهدل شاكرة قمحا زرعته في جيوبي فنموت (ينمو).
تحصدني الأشياء بمنجل النسيان، فألمح عقرب الساعة محدودبا يركض بي نحو الأمام.
ياسمينة تغني قرب الباب المفتوح، تمسك بي فأجهش بالبقاء، وترشرش بائعة الحشائش ابتساماتها على الكتب فتخضر، ويرتفع آذان السوق: هذا هو الفتى الذي كان يصلي حين تتعبه المغامرات.
Post A Comment: