لَمْ يَبْقَ أَمَامَكَ الْآنَ إِلَّا كُومَةٌ مِنَ الْأحْزَانِ وَبَقَايَا جَثَّةِ رَجُلِ بَشِعِ"
تَنْظُرُ إِلَى الْأُفُقِ بِعَيْنِيِّ صَقْرٍ، تُبْحِرُ عَيْنَاكَ إِلَى أَبْعَدِ نُقْطَةٍ، تُحَاوِلُ أَنَّ 
تَسْبِرَ
 دَهَاليزَ الْعَتَمَةِ، تُفَتِّتُهَا، تُحَوِّلُهَا إِلَى مِرْآةٍ تَرَى فِيهَا كُلَّ الْأَشْيَاءِ، تُذَكِّرُكَ الطُّيُورُ الَّتِي تَصْعَدُ حَامِلَةً الْأَسْمَاكَ بِمَنَاقِيرِهَا الْحَادَّةَ بِأَنَّكَ تَجْلِسُ أَمَامَ الْبَحْرِ، تَحْمِلُ حَصَاةً وَتُلْقِيَ بِهَا فِي الْمَاءِ، فَتَبْدَأُ الدَّوَائِرُ لَعِبَتَهَا، وَتُتْعَبْ نَفَسَكَ بِتَتَبُّعِهَا، وَلَكِنَّكَ تَعْجَزُ عَنِ الْوصول إِلَى نِهَايَتِهَا، فَنِهَايَةُ الْأَشْيَاءِ لَا يَرَاهَا إِلَّا الآخرون.
عَاجِزٌ...
جَبَانٌ...
لَا تُغَامِرْ...
خَوْفٌ...
خَوْفٌ...
يَشَلُّ الْخَوْفُ حَرَكَاتِكَ ويجعلك عَاجِزًا.
هَذِهِ الدَّوَائِرِ تُذَكِّرُكَ بِنَفْسِكِ.
الْخَوْفُ سِيَاجٌ مُلَطِّخٌ بِدَمِ الْجَبْنَاءِ، لِما لَا تُجَرِّبُ خَوْضَ هَذَا الْبَحْرِ، تَعْفِنَّ جَسَدُكَ وَأَنْتَ جَالِسٌ، تُرَاقَبُ...
فَقَط هَذَا مَا تَسْتَطِيعَهُ، تُطِيلُ التَّحْدِيقَ إِلَيْهِ، تَعَشَّقَهُ، وَتَخَاف مِنْ لَمْسِهِ وَعِنَاقِهِ، أَصَابَكَ الدُّوَارُ قَبْلَ أَنْ تَرْكبهُ.
تَنْظُرُ إِلَى الطُّيُورِ مَرَّةً أُخْرَى، تَتَمَنَّى أَنَّ تَكُونَ طَيْرَا، تَعْلُو الْقِمَمَ، تُحَلِّقُ فَوْقَ بِحَارِ الدُّنْيَا بِلَا خَوْفٍ وَلَا رَهْبَةٍ، تَخْتَلِسُ النَّظَرَ إِلَى النَّوَافِذِ الْمُقْفَلَةِ، وَ.....
وَ......
يزداد مَدُّ الْبَحْرِ حَتَّى يَصِلُ إِلَى نُخَاعِكَ الشَّوْكِيِّ فَيُجْبِرُكَ عَلَى الْوُقُوفِ، قَرَّرْتَ أَنَّ تَرْحَلَ وَتَنْسَى الْبَحْرَ.
وَلَكِنَّكَ فِي الْيَوْمِ الثاني وَجَدَتْ نَفْسَكَ تَجْلِسُ فِي نَفْسِ الْمَكَانِ، وَرُحْتَ تَحَدُّثَهَا بِخَوْضِ الْبَحْرِ، وَبِأَنَّكَ كَسُولٌ....
خَامِلٌ....
الْخَوْفُ يَأْكَلُ أَوْصَالَكَ، لَمْ تُرْهِقْ نَفْسَكَ يَوْمًا لِتَتَعَلَّمَ السِّبَاحَةَ، حَتَّى لَوْ تَعَلَّمَتْهَا، فَأَنْتَ تَعَلم بِأَنَّكَ لَنْ تَقَطعَ أَكَثرَ مَنْ مِتْرٍ وَاحِدٍ، فَالسِّبَاحَةُ مُغَامِرَةٌ، وَأَنْتَ لَسْتَ مَنِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ الْمُغَامَرَةَ، بَلْ أَنْتَ فِي قَرَارَةِ نَفْسِكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ جَبَانٌ.
جَبَانٌ، هَذِهِ الْكَلمَة أَثَارَتْكَ، وَدَفَعَتْ بَقَايَا الدَّمِ الْمُتَخَثِّرِ فِي عُرُوقِكَ، هَلْ سَيَسِيرُ الدَّمُ فِي عُرُوقِكَ مِنْ جَديدٍ؟؟
نَظَرَتْ عَيْنَاكَ إِلَى جثَّةِ رَجُلٍ لَفَظَهُ مَاءُ الْبَحْرِ، وَحَمَلَهُ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الرِّجَالِ كَمَا يَحْمِلُونَ شَاةً، اِلْقَوْا بِهِ عَلَى الشَّاطِئِ، اِقْشَعَرَّ بَدَنُكَ، أَصَابَتْكَ رَجْفَةٌ، صَعُبَ عَلَيْكَ إيقافها، نَظَرَتْ إِلَى الْبَحْرِ، كَانَتْ 
أَمُوَاجهَ
 تَعْلُو...
وَتَعْلُو...
وَكَأَنَّهَا تُرِيدُ اِقْتِنَاصُكَ، تَجَمَّعَ النَّاسُ حَوْلَ الْجثَّة الْمُلْقَاةِ، وَقَدِ اِنْتَفَخَتْ إِلَى حَدٍّ لَا يُطَاقُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أحَدُ الْوَاقِفِينَ وَالْمُتَفَرِّجِينَ:
- مَا دَامَ لَا يَعْرُف السِّبَاحَةَ، لِمَاذَا يسَبّحُ وَيُغَامِرُ بِحَيَاتِهِ؟؟؟!!!!
خَلَّعَتْكَ كَلِمَاتُ الرَّجُلِ مِنْ مَكَانِكَ، غَرِقَتْ عَيْنَاكَ بِجَسَدِ الرَّجُلِ الْمُتَكَلِّمِ، تَأَمَّلَتْهُ...
سَبَحَ بَصَرُكَ الضَّعِيفُ فِيهِ مِنْ قِمَّةِ رَأْسِهِ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمِيِّهِ، كَانَتْ صُورَتُهُ تزداد بَشَاعَةً كُلَّمَا أَطَلْتَ التَّحْدِيقَ فِي مَلَاَمِحِهِ....
اِنْشَغَلَ النَّاسُ بِالرَّجُلِ الْغَرِيقِ، وَأَنْتَ لَا تَعَرفُ لِمَاذَا حَمَلْتَ حَجَرَا كَبِيرَا كَانَ بِجَانِبِكَ، وَبِقَدْرٍ مَا تَحْمِلُ مِنْ حِقْدٍ لِنَفْسِكَ، أَلْقَيْتَ بِالْحَجَرِ عَلَى رَأْسِهِ، وَحَمَلْتَ الْحَجَرَ مَرَّةً أُخْرَى...
وَأُخْرَى... ثُمَّ جَلَسَتْ تَنْظُرُ إِلَى جُثَّةِ رَجُلٍ آخِرِ.




Share To: