كانت هناك في القرية حديقة غناء تحيط بقصر الشيخ . لا أحد يحزر ما فيها من أصناف الأشجار المثمرة . فهذا حكر على سيدة القصر المدللة ، التي اعتادت أن تتجول فيها و تقطف من ثمارها و تهدي لمن يخدمنها.أما ما تبقى فيجف في مكانه .
لكن الأشجار على مر السنين ، تمردت على اوامر الحَجْر ، و أبت إلاُ أن تتباهى بثمارها المحفزة للعاب و الاشتهاء ، فأطلت بحملها من فوق السياج العالي .
الرمان و التين و الطرنج و التكي والتفاح و الليمون و التمور كل في حينه . و كان يبدو للناظر ـ بالأخص لولدي (عبيد ) و(علاوي الحوم (1) ) ـ ان حجم الثمار قد لاح شهياً ، و قد تدلى الرمان جراء ثقله ، و حان قطافه . فباتوا يفكرون و يتمنون ، أن يجازفوا في يوم ما بالتسلل في عمق الليل . و كانوا قد رصدوا : إن الطريق إلى الداخل ، لا يتم إلاّ عبر فجوة الساقية حين ينضب ماؤها . و كان التسلل محفوفاً بالمخاطر . فأبناء الشيخ لن يترددوا بإطلاق النار على من يتجرأ على اجتياز السياج .
وقفوا كالعادة على مسافة غير مرصودة ، و هم يمعنون النظر خلسة بالرمانات و التي بدت ناضجة ، تتلألأ حباتها من خلال قشرها الرقيق .
قال ابن عبيد الكبير :
ـ هل هناك من يستطيع الوصول إلى داخل الحديقة تحت جنح الظلام و يأتي بالرمان ؟
قال علاوي الحوم بحماس :
ـ أنا أستطيع .
قال ابن عبيد الكبيرهازئاً :
ـ أنت ؟؟ هه عندها .. ستسمع القرية بكاملها ضراطك .
قال علاوي الحوم متحدياً :
ـ لا.. أنا أستطيع و سوف تريان ؟ هل أنا جبان ؟ سأزحف بطريقة الأفعى ، و أدخل عبر فجوة الساقية بسهولة . هكذا... وراح يزحف على الأرض .
ـ و لكنك تحتاج الى من يساعدك .
ـ انتما . ما هي مساعدتكما ؟ عندما أتسلل داخل الحديقة .. فإن عليكما أن تراقبا جيداً . فإذا حصل و شاهدتما أحد أبناء الشيخ ، و هو يراقب من خارج السياج فعلى أحدكما أن يطلق صفيره لكي أكون على علم و أختبئ .
وافق الولدان على قرار علاوي الحوم . وعندما جن الظلام و كفت الأرجُل ، كانوا قد أخذوا كيساً كبيراً من الأم ، التي أظهرت تخوفها من نيتهم ، رغم انها في الخفاء تحلم بمذاق الرمان .
***
اقترب الثلاثة من السياج . و تسلل علاوي الحوم زاحفاً عبر النهير ، من فجوة الساقية و معه الكيس .
تلطخ وجهه و ثوبه بطين الساقية بالكامل ، التي مازال بطن الساقية مملوءاً بالماء و الطين .
تحرّى بنظره جيداً ، مخافة ان يوجد أحد . كان يهيمن على قلبه الخوف من هذا الصمت و الظلام الذي بدا أكثر عتمة مما في الخارج .
مسح الطين من فوق عينيه  قال :
ـ طلعت سعلوه (2).
استوى على ركبتيه .. ورفع رأسه ليستطلع يمنة و يسرة و من أمام ، ثم التفت إلى سطح القصر ، و إلى علوالسياج . مخافة ان يراقب من هناك ، فالطقس صيف: إنه لا يستطيع أن يقفز من السياج لو أُجْبِرَ على ذلك. و بدا له كأنه قد انقطع عن القرية بكاملها .
هل يعود ؟
لكن حبات الرمان قد تدلت و داعبت جبينه و أنفه .
يتبع




Share To: