ـ جمّاره .. دعينا نجلس تحت هذه الشجرة التي خلفك قليلاً و نتمتع . هيا إجلسي .
اعترضت جمّارة على رغبة مدير :
ـ لا فدوة لا. دعنا نخرج . فقد تطرف الليل و ستفتقدني أمي .
كان (علاوي الحوم) قد فقد السيطرة على بوله و ساح تحت مقعده .
و بعد ان حرر (مدير) ضفائرها من شالها ، قضى معها وطره بالقبل وقوفاً ، متلمّساً رمانتيها ، و تساءل :
ـ ما هذه الرائحة ؟ انها اشبه برائحة البول .
ضحكت وقالت :
ـ من تحت ملابسي ؟
قال :
ـ لا ، أقصد في الحديقة .
ثم أمر جمّاره :
ـ هيا .. تعالي خلفي سأتأكد من خلو الطريق و نخرج من الباب الخلفي .
قالت مترجية :
ـ و لكنك لم تعطني رمانة واحدة ولم تقل .. متى تتزوجني ؟
ـ أتزوجك حتماً .. و سأقول لك فيما بعد .
ـ إقسم لي بالإمام ؟ هيا.. إقسم على أنك ستتزوجني .
ـ كفى . حذار أن يسمعوك .
ابتعدت خطواتهما سريعاً ، و جر علاوي نفساً عميقاً و هو يذرف دموعه وقام بقطع الرمانة التي طلبتها (جُمّاره ) ووضعها في الكيس و هو يقول :
ـ آ....ه .. هذا هو الموت بعينه . قدم واحدة ، و تعثر ( جمّاره) بجسدي . اللعنة .. كيف تشمم البول ؟ كما إني كدت على أبواب أن أتغوّط في ثيابي .. فأمعائي ما زالت تخبط . كيف تركا هذه الحديقة بأكملها و جاءا إلى هنا؟ كيف ؟ حظ ابن فْطيمة أتى بهما . اين أنت يا فطيمة . تعالي و شاهدي إبنك الحمار .. كيف ورطاه ولدا عبيد و جعلاه يبول على ملابسه كالطفل .
***
في خارج السياج كان ولدا (عبيد) قد استبطآه كثيراً . ثم عادا مرة ثانية ليقتربا من السياج ، و جلس الكبير ليصعد الآخر مرة أخرى على كتفيه و يتحرى سريعاً عن صاحبهما . فهمس الكبير :
ـ هل شاهدته ؟
ـ لم أشاهده .
و بدا لهما : أنه قد يكون حدث له مكروهاً . و قررا أن يبتعدا أكثر و ينتظرا .
كان الأمر قد اختلط على علاوي الحوم و تصور أن ذلك هو أيضاً ابن الشيخ . فربما ـ في هذا الوقت المتأخرـ لا مانع لديه أن يطلق النار عليه و يرديه قتيلاً.
***
عاد الأخوان و كررا عملية التسلق بجانب السياج للبحث عنه و ظنّ الحوم : إنه قد نُصب له كميناً خارج السياج .
ـ أين ذهبا فَرْخَيْ (1) عبيد ؟ لماذا لم يصفرا . أما كان الأجدى بهما أن ينفذا وعدهما ؟ ربما انهزما و تركاني وحيدا ؟ و استمر بالبكاء .
ـ خير لي أن أجد منفذاً لأهرب بعمري و أترك الكيس .
و استمر بالبكاء :
ـ مالعمل ؟ من أين أخرج ؟ ينبغي أن أختفي ، و لا أبدي أية حركة . فأية حركة خافتة ستؤدي إلى طلقة في الرأس . من الذي يتصور إن مدير و شمامه يتركان أماكن الحديقة كلها و يأتيان لإبن فطيمه ؟ أيضاً قد يأتي الحظ بأحد أولاد الشيخ ، مدير أو غيره ، و يمسك بي ، و يلعنون أبا فطيمة . إنني حتى لو تم الأمساك بي .. سأقول لهم : ـ أن فَرْخييْ (عبيد) هما اللذان خدعاني و دفعا بي دفعاً لأنْفذ من ثقب الساقية ، لكي أكون في قلب الحديقة . أنا لا ألقي بما قمت به فقط على نفسي . ولدا عبيد هما اللذان دفعاني لهذا غصباً عني . عليّ أن أغير مكاني . فربما يرصدوني في هذا المكان .
و زحف مع كيسه في عمق الأدغال كاتماً أنفاسه لكي يراقب بإنصات كامل  أي صوت يصدر .
فجأة اهتزت أغصان الشجيرات بحركة شديدة. ثم تبين له انه طير كان كامنا عن قرب و فرّ محلقاً .
بينما عاد الأخوان . ليصعد الصغير على كتفي الكبير، و يتمعن بالبحث .
ردد علاوي الحوم با كياً .
ـ ها هو ذا ، ها هو ابن الشيخ ما زال يبحث . إن أمعائي تخبط و أكاد أفعلها .
كان الرأس قد عاد متحرياً في كل جانب ، من فوق السياج . متستراً خلف الأغصان ، وتحت جنح الظلام ثم اختفى .
يتبع



Share To: