زُفت فاطمة للفقيه محمد على الطريقة التقليدية المعروفة آنذاك؛ قراءة الفاتحة وسورة من سور القرآن الكريم، ونادرا ما كان يتبع عملية الزفاف كتابة عقد نكاح، حتى المهر اتفق عليه الرجال شفويا. بعد ذلك اصطحبت فاطمة زوجها إلى منزله الذي يبعد بعض الكيلومترات عن مقر عشيرتها، وكان ذلك بالمدينة المجاورة حيث كان له كوخ من الطين والخشب بناه بالبقعة الأرضية التي كان قد اقتناها قبل سنوات. 
امتهن الفقيه محمد حرفة التجارة في التوابل متنقلا بين أسواق القرى والمدن المجاورة، كان رجلا سخيا وكريما، معروفا بشهامته وحسن تدبيره لشؤون حياته في وسطه العائلي وخارجه، وكان يلقب ب : صاحب كلمة، لقبٌ أكسبه ثقة التجار والزبائن ولدى الجيران. وكان يوم الجمعة يوم راحة لديه، يقضيه وسط عائلته برفقة الزوجة وبناته، حيث رزقه الله ثلاث بنات، وكان يفضل تلاوة القرآن الكريم كلما وجد في منزله.
  مع توالي الأيام والشهور، بدأ الفقيه محمد يغيب عن منزله من حين لآخر دون علم زوجته أو أحد أفراد عائلته الكبرى بالمكان الذي كان يقضي فيه وقته بعد العمل.  كثر الكلام بين ٲفراد العائلة والجيران عن سبب غيابه، قيل : إنه يغازل النساء، وقيل : إنه  أصبح متعلقا  بامرأة أخرى، لقد حصل شيء ما في حياته، وظهرت ملامح لا يحمد عقباها في تصرفاته، أصبح سريع الغضب، لا يطيق إطالة الحديث مع زوجته، كان يقضي وقت فراغه في الحديث والدردشة خارج المنزل برفقة ٲمه ٲو أخيه، وأصبح يغيب عن المنزل الى غاية منتصف الليل دون أن يخبر أحدا بما يفعله، ولا مع من كان، قليلا ما يتحدث  لزوجته، وإن فعل ذلك فلِكيْ يصدمَها بأن للرجل أحقية في الزواج بأربع نساء، "حسب قوانين الإسلام"، وكان يردد هذا الكلام كلما تحدث  عن الأبناء ومكانة الرجل داخل العائلة.
  ٲما فاطمة فقد التزمت الصمت، لا تريد تضخيم المشاكل، ولا الدخول في صراع مع زوجها، كانت تدرك مسبقا ٲنها في عالم يحكم فيه الرجال وما للمرأة إلا الطاعة لزوجها، لم تكن تريد ان يحصل لها ما حصل مع الزوج الأول، لقد طمس البؤس رشاقتها وجمالها ولم يتبقَّ من بريقها سوى شعرها الطويل وعينيها السوداوتين. لقد ٲنجبت مع زوجها البنات دون الذكور، بينما هو كان ينتظر منها ذكرا، طريقة سهلة كان يتهم بها الرجال زوجاتهم، إن ٲنجبت فتاة يكون ذلك من خطئها وإن كانت عاقرا يكون ذلك من خطئها أيضا، هذا هو قانون الرجال في تلك الآونة، وكٲن المرأة هي من تقرر في إنجاب الذكور أو الإناث. كان يردد رغبته في إنجاب الذكور على مسمع كافة ٲفراد العائلة دون أن يحترم إحساس وشعور فاطمة التي ظلت وفية وصبورة. لقد ٲثر ذلك على نفسيتها لكنها لم تكن تظهر تعاستها لزوجها، وفي نفس الوقت لم تكن هذه المرة تشعر بالوحدانية بل لقد وجدت من يؤنسها في هذا البيت. قضية تعدد الزوجات واقع يعيشه المجتمع المغربي منذ فترة طويلة وما زالت آثاره قائمة لحد الآن، ظاهرة منتشرة بكثرة في العديد من المناطق، وكانت سببا في تشتت العديد من الأسر. وكان الجهل أو التغاضي عن شروط الزواج بأربعة نساء كما يحددها الشرع يشجع الرجال كثيرا على غلق باب حرية المرأة في رفض قرار بعولتهم بالزواج بغيرها، كل ما كان يهمهم هو عدد الزوجات دون تطبيق الشروط التي سنّها الدين الإسلامي. 
ٲغلب الرجال يعتبرون دور المرأة يكمن في خدمة الرجل والأبناء، لم يكن هناك احترام لفعالية العنصر النسوي في المجتمع، على العلم أن المرأة نصف المجتمع، صدق من قال : 
الأم مدرسة إذا ٲعددتها __ ٲعدت شعبا طيب الأعراق".
 لقد ساهمت المرأة في المقاومة وٲدت نصيبها من الجهاد، لا سيما الاستخباراتي، وفي نشر قرارات المسؤولين، بالإضافة الى نقل السلاح وتوزيعه على الفدائيين. لكن سلاح فاطمة في كنفها كان يتمثل في الصبر والانتظار لحل مشاكلها، كثر الضغط عليها وعائلة زوجها انضمت إلى محمد، وبدورها عابت عليها إنجاب البنات فقط. في البداية كانت فاطمة تشكو من الوحدانية، ومن عدم إشراكها والتشاور معها في حفلاتهم، كاد الحنين والضغط يدمرانها، كانت تحن لعائلتها، لماضيها، لحلاوة ذكريات تنْقُلها بين البئر والضيعة، بين نغمات البندير ورقصاتها في الحفلات العائلية. بدأت تفقد الابتسامة، الكل في العائلة يتحدث بالأمازيغية إلا فاطمة التي لا تتكلم إلا العامية العربية مما زادها معاناة بالوحدانية، كانت تشك في الحديث عنها كلما سمعتهم يتحدثون فيما بينهم بحضورها، دائما تتساءل إن لم تكن المقصودة بتلك الحوارات التي لا تفهمها. من حين لآخر كانت تحدق إلى السماء شاكرة ربها، داعية بالغفران لكل من كان السبب في حالتها تلك، كانت تجد لها متنفسا في جارتها التي كانت تعاني من نفس المشكلة، عدم إتقانها للغة الأمازيغية.
بعد تسعة أشهر من الحمل، رزقت السيدة فاطمة مولودا جديدا، إنه ذكر !!، هي ذي الكلمات التي رددتها الجدة بصراخ كاد أن يسمع في الحي كله، ها هو حلمها المنشود قد تحقق، شعرت فاطمة بالسعادة تكتسح أغوارها لتنبعث روح جديدة يملؤها التفاؤل بمستقبل زاهر داخل ٲسرتها، مع زوجها وبناته من جهة، ومع الأسرة الكبيرة المكونة من عائلة زوجها من جهة أخرى. نجحت فاطمة هذه المرة في رد الاعتبار لنفسها، بل المولود هو من رد الاعتبار لأمه دون ٲن يعلم بذلك،



Share To: