"ومع ذلك ليس في قلبي تجاعيد" ...هكذا عبرّت السيدة De Sévigné  عن عدم تأثير العمر على الروح بينما يحفر الزمن أخاديده على الجسد...كان ذلك في زمن لم يشهد لا مود التجميل المصنعة ولا عمليات التجميل التي قلبت في عهدنا الحالي موازين الجمال والعمر. في تلك الأزمنة كانت الشيخوخة هي اكتمال ونضج كالثمرة تزداد حلاوة ونكهة قبل الفناء.  لم يكن بمتناول السيدة او الرجل سوى بعض وصفات طبيعية مثل استخدام حليب أنثى الحمار، او بعض الخل ممزوج بعصائر الورود وبعض الأتربة البيضاء والحمراء المسحوقة كمساحيق تغطية للبشرة...
كل شيء في يومنا هذا، في الشرق وفي الغرب، يدعونا للاعتقاد بأن التقدم في العمر "لعنة". حتى أن البحث العلمي خصص الكثير من جهوده في ايجاد حلول لإبطاء شيخوخة الخلايا في جسم الإنسان ونصحوا ببعض الأطعمة الغنية بالزنك والمغنزيوم والفيتامين سي كما الفيتامين اي. أما تجار مواد التجميل فأعلنوا عن القدرة العجائبية لمستحضراتهم من كولاجين و..و..و.
وهكذا، كل بحسب إمكانياته يركض الى الخلف باحثا عن شباب ضائع.
   أدرك الفيلسوف( ans  87 Michel Serres) إحباطنا أمام التقدم بالعمر عندما أوصانا بدواء لا بديل له من أجل أن "نشيخ" جيدا  على حد تعبيره، أي أن نتقبل شيخوختنا بشكل جيد في جسدنا وفي عقلنا، قائلا وصنف العلاج بحسب محاور ثلاث، على سلم من ثلاث درجات بدأا من الحل الأسواء تصاعديا الى الأنسب. أي من اللجوء الى الجراحة التجميلية ومساحيق التجميل الى الحل الثاني وهو الأفضل قليلا برغم من 
 نتائجه  المحدودة وهي الرياضة البدنية لتليين الجسد والحفاظ على رشاقته وخفة حركته. واخيرا الحل الأمثل برأيه والذي هو المحك الحقيقي لقدرة الإنسان الذهنية على المحافظة على جودة وجوده، وهو الشجاعة على" قراءة ما يفوق قدراتنا الاستيعابية بقليل". وذلك لأننا ننسى- كما يقول- ان ما يشيخ فينا هو قدراتنا على التأقلم، وأن "العقل" هو ما يجب أن نحافظ على حيويته ورشاقته حيال التغييرات التي يواجهها مع تقدم الزمن.
 ما يبدو لي بديهيا مما تقدم من هذه النصائح هو أن الإنسان يعيش خدعة عصرية وهي أنه اذا اشترى شيئا ما او طبق جراحة ما يغنيه ذلك عن بذل جهد فكري ضروري لفهم عالم في حركة تغيير مستمر، ليس فقط، بل وعيش هذا العالم الديناميكي. وهذا التأقلم مع ما لا نتوقعه يرتكز على  أهمية جهد نبذله وإذا أهملناه او نسيناه ممكن ان يجعلنا "شيوخا، عجزة" في سن الأربعين لأننا لم نعد قادرين على ادراك عالم جديد. جديد بمعنى أنه اتخذ لنفسه مساحة أوسع وتأطر بأطر جديدة لم نألفها. ومن الحماقة أن يبقى "الفرد" في عالمه الخاص مغلقا نوافذه على العالم العام...وبذلك اعتقد ان الحياة "تفوته" او بتعبير آخر "يفوته قطار العمر".عبارة نسمعها دائما دون أن ندرك مغزاها. لا يفوت القطار احدا تصالح مع "ذاته". هذه الذات التي هي جسد وروح. والروح هي الأبقى والأجمل وهي التي تعكس "شبابها" على وجه الإنسان. كم من مرة قلنا لشخص ما متعجبين عندما نعرف عمره  "لا يبدو عليك هذا"...وكم من أنثى ازدادت أنوثتها وجمالها مع التقدم بالعمر ولم تلجأ الا الى تجميل روحها بخبرات الحياة وبثقافة واسعة وتقبلت حقيقة ان العمر مراحل لكل منها جمالها الخاص واستثمارها الخاص من أجل سعادة الوجود. كم من أنثى "شوهت" جمالها الطبيعي بحيل التجميل المعاصرة التي هي ليست سوى "استغلال تجاري لا إنساني". ولا اعتبره أنساني الا في حالات تقويم التشويه الخلقي وهذا موضوع بابعاد اخلاقية يطول الحديث فيه.
 لنتعلم كيف "نشيخ" بشكل ذكي.
 طابت اوقاتكم



Share To: