Gema.
خيما .
ما معنى الحياة ،بدونك الآن ،و قد كنت زهرة تفتحت على البحر و على الحرية ، نجمة تألقتي في بلدتك ، نعم خيما ، منذ أن عرفتك أحببتك كشخصية واضحة فعالة محبة حاضنة للحياة
خيما
ما معنى خيما
نعم ،خيما ،معناك المقاومة و الرغبة في الحياة ،مقاومة الألم ،متحملة الوجع المولود من سرطان ،قد ألم بك ، تآكلت كل أعضائك ،و مهما ذلك كنت تبتسمين مقاومة بفرح و بحب للحياة ، أجل مقاومة ،معاندة ،تترجمين آلامك في قصائد من شروق ،من فرح و من روايات الصباح المطلة كأشعة الشمس من الشرفات الإسبانية....
خيما ،
هذا أول الصبح ،و اول فجر في تاريخ الثلج لهذه السنة ، في الأزقة ، لا يسمع إلا ذكراك ،و لن يتكلموا اليوم إلا عنك ، الكل ، في حزن ،و في ألم ، يزفون خبر رحيلك كالصاعقة ،و كالرعد و البرق و كالعاصفة ، لم أصدق ،أصابني الذهول يا خيما
نعم ،أجل ،أكيد و بالتأكيد و بالأحرى ذلك ذهوللللل ،و كأنه الصمت الذي يسبق العاصفة و بعدها يأني الصمت بعد العاصفة و لكن بذهوللللل.....
نعم يا عزيزتي المفضلة ،لم أصدق خبر رحيلك ، لم أصدق بعد ،أنا لازلت في الصدمة ،أحتاج لأحد لأن يصفعني على وجهي ،أو يرش على خدي الثلج البارد ،لكي أستفيق
لا إستحالة ،أن ترحل خيما ، إستحالة ،أنا بالعهد أعلم أنك لازلت هنا ، في المستشفى بألكنتي ،تقاومين مرض السرطان ،مرض اللوكيميا في الدم و في الجسم ،...
خيما
،كم ،كنت تقاومين المرض و كذلك حقن المورفينا التي بدورها تؤلم ، حينما تلامس الذات ، كنت شاخبة بلون أصفر و بلون الخريف الدائم ،و كأن أوراق حياتك بدأت في الطيران لإتجاه مظلم ....
خيما ،
في المستشفى و انا أزورك ،لقد كنت نائمة تحث التخدير و بفعل المورفينا ، لامست يديك ،كانت ناعمة ،لم أعهد من قبل هذه النعومة ،و وجهك كان راضيا مبتسما بالرغم من الآلم ،تذكرت قول الله ،يا أيتها النفس المطمئنة ، نعم يا خيما ، نفسك مطمئنة ،حتى و إن كنت مسيحية ،لكنك نفس ،و من بني أدم و كلنا نتشابه و لا نختلف إلا بالتقوى يا خيما....
خيما
، أشعر بروحك تطوف من حولي ،تداعبني ،تنظر إلي و تقول لي ،هيا بنا ،لنشرب فنجانا من القهوة مع مايتي و إلينا و إيفا ،و سانتياكوا ، آه يا خيما ،كم كنت تعشقين القهوة ،و القهوة اليوم سوداء بدون سكر ،ترثيك ،كما ترثيك كل القصائد و كل الساحات ،و كل الأزقة و كل الأوجه...
خيما
تعالي يا صغيرتي ، لأشعل لروحك شمعة ولنقيم الصلاة على روحك الجميلة الطاهرة ، تعالي لنغني سوية ،تحت أمطار كونفريدس و تحت ثلوج جبال الأيطانا و بين ضفاف أنهار كواداليست ،تعالي لنجمع زهور اللوز من قبل أن يصل الربيع ، حتى و لو كان فصل الشتاء بدون زهور ،فزهور اللوز هنا ،لأنها تعشقك و تعشقينها و أنت اليوم عروسة جميلة ،و فتاة فضية و شمس مزهرة
،لكم مررت راكضة بين أشجار اللوز و الزيتون ، مبتسمة فرحة كالقمر تسطعين كالشمس ،و شعرك الذهبي تغازله الشمس ،شمس الشتاء الباردة أحيانا و الدافئة أخرى ...
خيما ،
جميلة أنت حتى في التابوت ،يتزين بك و على جانبك الورد و عطور من الياسمين ، خيما ،في عرس الموت تتألقين بفستانك الأبيض و كأنك عروسة و حورية بحر ،مبتسمة راضية مرضية نائمة كأميرة من حكايات عالمية ،و وجهك يبرق ،و على شفاهك أحمر شفاه كرزي....
خيما
، التابوت لا يليق بفتاة مناضلة كسرت مرض السرطان و شطرته و فناجين القهوة بجانبك ،و جسدك مسجي ينتظر الذهاب إلى كنسية سان تياكوا ،للصلاة ،و طوابير من المعزيين ،و وجوه حزينة ،ملابس سوداء ،و عيون تدرف الدمع بحياء و بأسف...
صديقيني يا خيما ،لكل مآتمه ،في بلادي ،تقام الصلاة في المساجد ،و بعدها البكاء و الصراخ ،و هنا في إسبانيا تقام في الكنائس ،و بين يدي القسيس ،و لكن هنالك أمور متشابهات و أخرى لا ،صدقيني ،هذا الوجوم و الصمت الباكي الذي يحمل في طياته صخب البكاء لأجمل شجن و لأجمل حزن ،من بكاء في بلدي و نواح و صراخ يقتل رهبة الموت...
نعم و بكل الفلسفات الدولية ، إنه الحزن المحترم في طيات الصمت و ضجيجه العاتي ،حزن محترم رقيق راقي ببكاء صامت و قلب حزين ،و عين تدمع ....
خيما
لا شيء اليوم يشغلني إلا أنت ،و ذكرياتي معك ،و كأنك هنا تضحكين و تتحدتين بكل رقة ...
خيما ،
و بالرغم من إختلاف ديانتنا ،لكنها ديانات سماوية ،و أنا أحترم الكل ،سأكون معك يا صغيرتي ، في الكنيسة ،لن أخجل من الدخول إليها ، ديني لا يمنعني من ذلك صديقتي ، تأكدي يا خيما ،سأصلي لك و لروحك الطاهرة ،و أنا بالكنيسة ،سأسلم عليك و على القس ،و سأردد ، متصفحة الأيادي :
السلام لكم . و سأشعل الشموع في الكنيسة ،لك و لنور روحك لترقدي بسلام خيما....
بعد الصلاة ، أنت جميلة و روح طاهرة يا خيما و صديقة رائعة ستبقين مهما رحيلك ، ستبقين هنا معي في حزني و في فرحي و في تذكاري و في بحر و قصائدي و أبجدياتي العربية ،ستبقين ....
خيما ،
ماذا سأقول بعد ، إلا أن يصبرنا الرب في فراقك ،و بصمت و بدمع سأرثيك خيما ،لأنك صديقتي الرائعة...
خيما
سأرافقك إلى مثواك الأخير إلى المدافن ، بأكوام هذا الحزن المتدفق كالشلال و كعواصف البحار ،و كاللرم في البركان ، سأرافقك و سأرش زهور اللوز و الياسمين على نعشك ،و سأقول كلاما طيبا عنك ، لعل الملائكة تزفك للجنة .
لروحك الطاهرة خيما ،ألف سلام ، كن يا أيها الموت بردا و سلاما و جنة روض لخيما .
خيما .
Post A Comment: