من أكثر المفاهيم التي أُسيء استخدامها وصارت مجرد غطاء للتنفيس عن مشاكل نفسية مفهوم -النصيحة- فالنصح بالعادة لا يصدر إلا من قلب يضمر الخير للمنصوح ويتمناه له، ينتقي صاحبه من العبارات الألطف والأخف على الروح ولا يمنحها غالبًا إلا إذا طلبت منه!
لكن النصيحة كثيرًا ما تتحول إلى ذريعة للأذى وتصبح مجرد غطاء للتنفيس عن حقد وغضب كامن أو موقف مسبق تجاه المنصوح؛ ويفترض صاحبها أنه قاضٍ مسؤول عن تصرفات الناس ومسار أفكارهم، فتجده لا شغل لديه إلا توزيع النصائح وتقييم الآخرين والسعي للتحكم بمصائر الناس وتوجيه سير الأحداث أو الرد على المخالف -من وجهة نظره-!
والإشكالية ليست في النصحية بحد بذاتها، بل في المعيار الواحد الذي وضعوه مقياسا للصواب وللحق لقلة الفهم، وهذا لا يتعلق فقط بالنظرة الدينية عند من نصبوا أنفسهم أوصياء، بل حتى في الذوق الشخصي وطريقة الحياة؛ فكل شيء غير ما أدين به واعتنقه وأتبناه خطأ يجب تصحيحه!
تعلمنا أن المعرفة والحكمة وقوة الروح صفات تجعل الإنسان يترفع عن الحكم على أي بشر أو حدث؛ بل ينشغل بذاته الهشة ساعيًا لتقويمها وتهذيبها منكبًا على شأنه الخاص، ومهما كان يملك من قوة. فإنه لا يمارس الوصاية على أحد، بل يرغب في إعادة الحياة داخل الآخر مهما كان سيئا؛ ويهيئ للمخطىء ظروف التغيير ليتغير من الداخل، بل وحتى مقاومته وردعه للظلم لا تنبع من الكراهية بل من الرغبة في إيقاظ التقوى النائمة في الظالم!
تقول العرب أن النصح من -التصفية- ومنه نصحت العسل أي نقيته من الشوائب، فإن لم تكن متأدبا بآداب النصيحة عارفًا بها، عالمًا بأحوال المنصوح، لا تملك مصفاة لعبور ألفاظك وتنظيف نواياك فالسكوت في شأنك فضيلة.
Post A Comment: