ركبت القطار الحربي مع زملائي؛ من السويس المتجه إلي حيث لا أعرف ولكنه باتجاه الإسماعيلية وعلي الطريق الموازي لقناة السويس؛ وغير أننا في الليل والشتاء والبرد القارس، وسير القطار ببطء شديد ،فلم يخبرنا أحد سبب  انتقالنا من القاهرة للسويس ولا نعرف أيضا  أين نتجه  الآن  بالضبط ، بدت قناة السويس من بعيد تشبه خط قلم رفيع جدا ، من النور الفوسفوري يشق ظلام لا نهائي وسط صحراء  أصبحت شبه جزيرة سيناء بكاملها، شرق القناة أما  غربه فصحراء تزحف حتى تخوم القاهرة . مازال القطار يزحف أيضا ويصرخ، تتطاير بعض النيران تنير  مسرعة خاطفة  من أثر احتكاك عجلات القطار بالقضبان... أما القرى التى يمر عليها القطار أغلبها من طابق واحد وكل منزل داخل أسوار وبينهما حديقة ،تتنفس اشجاره نور أبيض لونه أقرب للدخان الفضي بعد أن أغتسلت  المنازل وحدائقها المثمرة بماء المطر ؛ الذي توقف منذ  فترة قليلة  ، البيوت متراصة فى منظر بديع وخاصة على  الضفة الغربية للقناة كيف أفهم الجهات فى فضاء بلا سمات واضحة ولكن الذى أمتلأ به دون تفسير وتبرير  وأراه  وأحسه بعقلي بوجدانى ونفسي هو  أن الكل في توافق منسجم، فوحدها الظلال العظمى تغمر الكون بهدوء عانق نفسي ،  لا أعرف كم مضى من الوقت فما زالت  تتواصل صرخات احتكاك  قضبان القطار مع عجلاته.... أما  عربات القطار والتي تحس انها مفككة لا رابط بين أجزائها إلا الضجيج والهبد والرزع المتواصل ، وكانت تصدر الأصوات على إيقاع واحد، وكأنها سيمفونية غير محببة لأذنك، ولكنه الشئ الوحيد الذي يشعرك أنك على قيد الحياة، أغلقت الراديو بسبب كل ما سبق وناولته للسيد فوزى والذي يجلس قبالتي ملفوف في بطانية لا يظهر منه إلي وجهه مثلي تماما ، أو بمعني أصح  :فمه الذي يضع به سيجارة تلو الأخرى ينفث دخانها داخل البطانية؛ في محاولة  منه للتدفئة .

فهذا الطريق  الذي يقطعه القطار بكسل ووخم شديد وكأن الوخم والكسل الذى سيطر علي أصابه أيضا... يبلغ طول الطريق حوالي "١٧٠كيلو متر" ربط الشمال بالجنوب ثم غفوت ثم حلمت، أننى تواجدت وشاركت وشاهدت  الحفل الأسطوري الذي قرأت عنه كثيرا  ، الذي أقامه الخديوي إسماعيل لملوك العالم بمناسبة إفتتاح القناة عام  ١٨٦٩ ميلادية بحضور: الملكة أوجنيل ملكة فرنسا وما فهمته من ساسة وملوك وأمراء العالم أن مصر لم تعد مستقلة تماما تأخذ قرارات تخص شأنها وقناة السوس بمعزل منفردة بمعزل عن العالم، لأن القناة  أصبحت ملك للعالم أجمع  و أن مصر صاحبة الشريان الذى يجرى فى أرضها لا تملكه بالكلية ،وكأنى رأيت في الحلم حرب بين الإنجليز وأحمد عرابى للسبب نفسه ثم استيقظت على صوت السيد فوزي  يقول:أصح يا : ديب أصح وصلنا الإسماعيلية.




Share To: