للطّائراتِ أَقولُ :
- وهْيَ ذكيّةٌ، وغليظةُ الأَكْبادْ-
لسْتُ أَنا عَدُوَّكِ،
لستُ أَحْمِلُ للجناحِ/ جناحِكِ
الفضّيِّ.. أَيَّ ضَغينةٍ ! 
صنَعَتْكِ أَيْدي النّاسِ آلاتٍ مُجوَّعةً لِلَحْمِ النّاسِ،
آلاتٍ مُعطَّشةً لِنَفْخِ النّارِ
في ما زادَ منْ عُشْبٍ إلهيٍّ خَفيفٍ
فانْفُخي نَفَسَ الجحيمِ
وأَنْقصي مِنْ أهْلِنا الأَعْدادْ
.
أَلْهَبْتِ السّماءَ بِنَفْثِكِ العاتي،
لماذا أَنتِ غاضبةٌ مِنَ 
الأَشْجارِ والذّكرى ؟
لماذا أنْتِ حانِقَةٌ، وقاسيةٌ
على الأَوْلادْ ؟!
.
يا طائراتُ،
وفي بلادِكِ ثَمَّ أَشْجارٌ وأَولادٌ،
وتحْتَكِ هَهُنا وهناكَ أَحياءٌ،
يُرَبُّونَ الحَمامَ كأَنّهُ وحْيٌ تَنزَّلَ في 
ثيابِ الرِّيشِ فوق بيوتِهمْ،
أَوْ يزرعون القمْحَ تَحْتَ
سحابةٍ مجروحةٍ في السّهلِ...
لكنْ هُمْ هناكَ كما هنا :
يَخْشَوْنَ من نارٍ تَشِبُّ بسَهْلِهمْ سَهْوًا
ومِنْ حَدَقِ الجرادْ
.
والنّاسُ يُحْزنُهمْ كثيراً أَنْ يموتوا
ههُنا وهناكَ مِنْ لَسْعِ البعوضةِ
أَو قنابلِكِ الذّكيّةِ
فاتْرُكينا كيْ نعيشَ حياتَنا
بوجودِها الهشِّ الجميلِ/
النّاسُ تُحْزِنُهُم هناكَ الحربُ إنْ
وَقَعَتْ
ويُوْجِعُنا هُنا.. أَلَمُ الجِيادْ
.
وربّما الرّادارُ يُقْلِقُهُ ارْتعاشُ 
الماءِ في الأَحداقِ
لكنْ ليسَ يَقْدِرُ أيُّ طِفْلٍ أنْ
يُحدِّقَ في مَهابَتِكِ العليّةِ !
ربّما الرّادارُ يزْعِجُهُ ازْرقاقُ
الماءِ في الأَنهارِ...
لكنْ لا وجودَ هُنا لنهْرٍ
غيرِ ما رَسَمَ الصّغارُ ضحًى بدَفْترِ رسْمِهِمْ
مِنْ خَرْبشاتٍ تُعْجِبُ البُسطاءَ
- مِ الأَمواتِ والأحياءِ- لا النّـقّادْ !
.
إِنْ كنْتِ غاضبَةً فَمَعْذِرَةً،
ويا أَولادْ :
كُفّوا عنْ سذاجَتِكمْ؛ 
دعوا الأَنهارَ تَنْشَفُ مثْلَ دَمْعِ الميّتينَ
من الصّدى العاري على الأَوراقِ...
قدْ لا يَغْضَبُ الطّيّارُ إِنْ جفَّ
الخيالُ، وكَفَّ 
عَنْ تَحْليقهِ العَبَثِيِّ.. كالمنطادْ !
.
والطّيّارُ خَلْقٌ لا يُدافَعُ،
لا يُحِبُّ صَلافَةَ الدِّفْلى هُنا
وصفاقَةَ الأَندادْ !
.
هذي السّماءُ لهُ،
ومَمْلَكةُ الرّياحِ، وقُطْنُ هذا الغَيْمِ
يَنْفُشُهُ ويَثْقُبُهُ ابْتهاجًا ضاريًا
- إِنْ شاءَ – 
أَو سأَمًا مُريبًا إنْ أَرادْ
.
ولهُ كذلِكَ ما لنا من أَرْضِنا
ولهُ تَنَفُّسُ صُبْحِنا فوقَ الجبالِ
لهُ الْتماعُ الماءِ في فمِ زهْرةٍ ضَحِكَتْ
له أَيْضا ظلامُ اللّيلِ
والأَشباحُ، والأفراحُ، والأعيادْ
.
والطّيّارُ خَلْقٌ لا يُزاحَمُ،
كيفَ سَوّلتِ الحياةُ لِقلْبِكمْ
في أَنْ يُلوِّنَ زهْرةً تَبْكي؟!
أَخونا في الأَعالي لا يُطيقُ نَحيْبَها الأَرضيَّ
يُزْعِجُهُ الضّجيجُ وإِنْ أَتَى
مِنْ زَهْرةٍ.. مَنْسيّةٍ في وادْ !
.
والآنَ سوفَ يُؤدِّبُ الحيَّ الكبيرَ
بِنفْخِةٍ ناريّةٍ، لِيُجفّفَ الأَصواتَ...
سوفَ تَصيْرُ زهْرَتُكمْ نُثاراً مثْلَنا
لكنّنا – ولأنّنا بَشَرٌ تمامًا عكْسَهُ - 
لا نسْتطيعُ الحِقْدَ من تَحْتِ الرُّكامِ
على الحديدِ، وكَوْمَةِ الأَسلاكِ يا
نفّاثَةَ النّيرانِ.. والأحْقادْ
.
لا نَسْتطيعُ الصّبْرَ أَيضًا أَنْ نرى
هذا الحَمامَ ولا يكونُ لنا – إذا 
يوماً أَردْنا أَنْ نُداعِبَهُ – أَصابِعُ
أَوْ أَيادْ !
.
إِنْ كُنتِ غاضبةً عليْنا فاهْدئي
كيْ لا تُصابي بارْتفاعِ الضّغْطِ
والصّدإِ المُبكِّرِ.. والسُّهادْ !
.
لم تنتهِ أُسْطورةٌ إلاّ لتُبْعَثَ مِنْ 
رمادِ عَجينِها أُسْطورةٌ أُخرى
أَشدُّ حقيقةً في الواقعِ السّحريِّ /
ماتَتْ أُمَّةُ الفِينيقِ
ماتَتْ التِيروصورُ مُبكِّراً في 
ذلكَ العصْرِ الطّباشيريِّ
وامْتَلَكَتْ زِمامَ النّارِ هذي الطّائراتُ
وأُمّةُ اللّابتوبِّ والآيبادْ
.
لمْ يَخْبِزِ البركانُ ما خَبَزَ الحديدُ مِنَ
الأَوادِمِ، نحْنُ قمْحُ اللهِ في نارِ
الشّعوبِ، نرى المغولَ يُجدّدون وجوهَهمْ
وسلاحَهُمْ، وقلوبُهُمْ هِيَ هِيْ...
ولكنْ لي أنا، ولكلِّ مَنْ حوْلي مِنَ
الموْتى، رجاءٌ واحدٌ: 
أَنْ تَتْرُكي لعُبورِنا العُلويِّ مُتّسعًا
ولو دَرَجًا صغيرًا
واطْمئنِّي: 
ليسَ للأرواحِ أَحْذيةٌ
لِتُزْعِجَ هَدْأَةَ الطّيّارِ...
حافيةٌ تمامًا هذهِ الأَرواحُ
ساذِجَةُ المُرادْ
.
للطّائراتِ أُقولُ
- فَخْرِ صناعةِ الأَوغادْ- :
لسْتُ
أَنا
عَدُوَّكِ !
لسْتُ أَحْمِلُ للجناحِ / جناحِكِ
الفضِّيِّ.. أيَّ ضغينةٍ ومَحبّةٍ
وبكلِّ تأْكيدٍ أَقولُ
نيابةً عمَّنْ قَتَلْتِ من الصّغارِ
بأنّهمْ – مَهْما غضِبْتِ –
فإنّهمْ لن يرسُموا يوماً .. جناحَك



Share To: