ما نشهده الآن في واقعنا من كذب وخداع ونفاق، ناهيك عن القتل والسرقة والزنا والفجور وانتشار السعي وراء الملذات والمتع والنساء، كلها  أدلة على هذا الفراغ الفكري المحض،وعلى أنه لا يوجد ما يقود  هذا العقل البشري، ولا هدف له يسعى لتحقيقه رغم كل هذه  الإنجازات العلمية  من  الصعود إلى القمر وعصر الآفاق المفتوحة والرحلات الفضائية والنقلة الحضارية  الكبيرة والثورة العلمية والتكنولوجيا المتقدمة؛ حيث استخدم الإنسان كل هذه الإنجازات  في تدمير بيئته المحيطة به. والسبب في هذا أن ما يحرك هذا الإنسان إما أفكارٌ خاطئة أو مفاهيمٌ مغلوطة أو نزعاتٌ وطموحاتٌ شخصية. عندها، لا تكون نتيجة هذه الاكتشافات في سبيل خدمة البشرية  حيث إن البشرية كلها أصبحت لا تعرف الهدف من وراء  هذه الاكتشافات وما السبب الحقيقي في هذا البحث العلمي .



بل إن ما حدث هو أن الإنسان استخدم هذه الاكتشافات في انتصار جهة ما على جهة أخرى أو  استخدمها في تدمير مجموعة أخرى من البشر يختلف معهم في المصلحة أو الفكر أو في المعتقد أوالدين. وأيا ما  كان السبب، فقد  احتكر الاكتشافات  مجموعة من البشر وفئة محددة دون الفئات الباقية، وقسموا العالم إلى مستويات  منها دول العالم الأول ودول العالم الثاني ودول العالم الثالث النامي. بل الأكثر من ذلك، فقد تكتلت  الثروات لدى جهة محددة أو مجموعة بعينها واحتكروا العلم لديهم ولم ينشروه اعتقادا منهم أنهم هم فقط أصحاب المعرفة وهم  وحدهم المكتشفون، ولا يجب أن يصل إلى مثل هذه الأسرار أي فئة أخرى من البشر .والهدف من كل هذا هو بسط النفوذ والقوة على باقي البشرية.



إن المتأمل في هذا يعرف جيدا أن هذه المجموعة لا تملك روح الإنسانية ولا يوجد لديها قيمة عليا هي أسمى قدرًا من الاكتشاف العلمي، وهي تسعى فقط لإثبات أنها الأجدر وحدها دون الآخرين. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى هذا الفراغ الفكري والفقر الإنساني والشعور بالخوف من الآخرين، لذا هم يحاولون منع أي إنسان آخر من الوصول إلى هذا العلم ليظلوا هم  القوة الباقية. وذلك لأنه ليس لهم  قيمًا أو معتقدات تدلهم على أن البشر جميعهم إخوة في الإنسانية،   ولا يدركون أن العمل في الحياة الدنيا زائل لا محالة  وأن الآخرة هي دار القرار. بل إنهم يأملون العيش في الحياة الدنيا  على الدوام ولا  يدركون أن مصير الدنيا إلى زوال .

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ  (البقرة 96)

وعلى مستوى العلاقات الإنسانية داخل المجتمع، نجد أن جميع الأفراد تحكمهم المصلحة المشتركة في أي علاقة،  وأن هناك سببًا  وراء معرفة أي إنسان  بآخر،  وأنه لا بد في النهاية  من وجود شيء ما  يستفيد به من معرفة هذا الشخص دون النظر إلى المشاعر والترابط الإنساني بين أي  إنسان وآخر  وكأنما  اندثرت الأخوة البشرية وأصبح المجتمع كله يتصارع من  أجل ماديات فانية ومنتهية، ولا أحد يعلم أن ما سيبقى  هو الشعور بالحب  ممن تجمعنا  بهم صداقة وعلاقة إنسانية طيبة .
كما أصبح الكذب هو الشعار الأول والطريقة العادية في التعامل، وكأن  أحد الطرفين يتربص بالآخر ليقتله،  والمراوغة هي السبيل الوحيد في التعامل ولا  يأمن أي  إنسان على نفسه من أخيه حتى وإن  كان يعرفه مع إنهم في  في مجتمع واحد يتشاركون  نفس المكان ونفس البيئة .

 كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  (البقرة  213)

لم  يعد الصراع في الحياة من  أجل الرزق صراع  كل إنسان يبحث عن رزقه، بل أصبح يفكر بأنه لا بد أن يستحوذ على كل ما تصل إليه  يداه.

وللحديث بقية



Share To: