سعى البشر للبحث عن إجابات في الوجود المحيط بهم عن من أوجده. وخلال ذلك، بدأ البشر في وضع تصورات وتكهنات  بنيت فيما بعد بعقائد ومفاهيم وديانات ترسخت داخل  نفوسهم ومعتقداتهم، حتى إنها برزت في عادات وتقاليد مجتمعات مختلفة من قديم الأزل، وبرز هذا في صورهم ورسوماتهم على جدران الكهوف والصخور وكانت هذه الروحانية التي ظهرت في تاريخ مبكر من التاريخ الإنساني كما كان هناك عدد من المبادئ الإنسانية.

وقبل أن نتصور المشهد الآن أريد أن أستعرض مجمل الحضارات وما  آلت إليه قبل أن نتأمل في ما هو موجود في العصر الحديث. ولن يكون السرد بشكل تاريخي ولكن فقط أريد أن أتفهم  مما قد مضى من شكل الإنسانية وتاريخها  وما كانت عليه  ومالذي كانت تؤمن به من أفكار  وما قامت به من اكتشافات  وما تركته من تاريخ وفنون وأدب وعلوم مختلفة  وأسسها وعقيدتها وأفكارها بشكل عام .

في البداية أرى أن العالم كانت حضارته القديمة في مصر والصين وبابل والهند والرومان وهم أهم الأماكن التي ظهرت بها حضارات وتركت  آثارًا تدل على ما كنت تمتلك هذه الحضارات من علوم وفن وثقافة وفكر.

مقدمة عامة الإنسان في العصور البدائية

الحقيقة الجوهرية: كانت تلك المجتمعات القديمة تحاول التعبير عن حسها بما أطلق عليه الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر (1889-1976) “الكينونة”. وكانت ترى أن هناك طاقة جوهرية تدعم كل شيء موجود وتضفي عليه الحياة والكينونة المتسامية لا يستطيع المرء رؤيتها أو لمسها أو سماعها،  إلا أنه يستطيع ملاحظتها وهي تعمل من خلال الناس و الأشياء والقوى الطبيعية المحيطة. وهذا الإدراك الذي أطلق عليه الإنسان القديم في معتقداته أو مخطوطاته بشكل غير مباشر أو بدون وعي منه مسمى الكينونة هو إدراكه أن هناك طاقة عليا أو قدرة  أكبر من قدرة البشر تصنع كل هذه الأحداث وتتحكم في كل الأشياء المحيطة به.  ولكن لم  لم يتمكن من الاستدلال العقلي  على الوجود الإلهي  وبدأ يشكل لنفسه طريقًا يجد بها إجابات ترضيه أو تقنعه على الأقل  لترتاح نفسه دون إرباك أو تناقض من ما يحدث  وليتمكن من استيعابه والتفاعل  معه وهو هنا يبحث عن الأساس في الخلق والخليقة والوجود.

وقد طور الكهنة في القرون القديمة نموذجا للخطاب الديني، حيث كانوا يذهبون إلى الغابة ويمارسون تدريبات رُوحية مثل الصوم والتحكم في التنفس، تلك التدريبات كانت تعمل على تحفيز تركيزهم و تولّد نمطًا آخر من الوعي، وكانت الغاية هي إيجاد صيغة شفهية لتعريف الله. وفي أثناء ذلك أدرك الإنسان الوجود المقدس الذي يفوق كل وصف ويستعصى على كل تعبير ومن ثم لم تكن الحقيقة النهائية  تشخيصًا لله عز وجل بل سرا متساميا لا يمكن سبر أغواره أبدا. ولأنه كان يحوي الحقيقة كلها فلم يكن له صفات أو هيئة يمكن للناس أن يخبروا بها ويتحدثوا عنها. كان سابقًا للسماء والأرض، وتاقت نفوس الناس إلى المطلق، وشعروا بحضوره في كل مكان من حولهم، وبذلوا جهدهم لتنمية  هذا التسامي من خلال طقوس ابتدعوها .

الخطاب الديني:

لم يكن يقصد بالخطاب الديني أن يفهم بحرفيته وإنما كان رمزًا، لأنه اعتقد أنه من الممكن   الحديث عن حقيقة تسمو على اللغة .

في العالم القديم حل محل الإله العالي قصص عن الخالق  لها علاقة بالبشر  إلا أنه لم ينظر  إليها على أنها مبنية على وقائع حقيقية.

وبينما كان العلم القديم يندثر، لم  يكن هناك من يرى أن عليه الاعتقاد في قصة الخلق أو بداية الكون نفسها أو أصل الوجود. وبدأ الناس في ابتكار قصص وأساطير أخرى تناسب زمانهم وواقعهم الجديد  كما بدءوا الناس في التخلي عن أسطورة الإله العالي واختفى من العالم القديم مفهوم الخلق من العدم  واعتقد الناس أن الإله بإمكانه فقط مساعدة العملية الإبداعية والتي هي عملية الخلق الجارية .

وبدأ الناس في رؤية الإله على درجة من السمو والتعالي بحيث لا تناسبه الطقوس والعبادات العادية ولا تقدم له الأضحيات ولا يتم تكريمه ولم  يكن له كهنة، وبخلاف ذلك نادرا ما كان يُحدث أثرا في حياتهم أو يتدخل فيها وتم اختزاله في  أنه الإله فقط أو العلة الأولى فيما بعد عند الديانات الإبراهيمية التوحيدية في التوراة والعهد القديم والعهد الجديد أو المحرك الأول في نظرة الفلسفة عند الإغريق ولم يعد يرجع إليه إلا في أوقات الضرورة أو المحن .

وقبل نزول الديانات التوحيدية الإبراهيمية كان العالم القديم يبحث عن وجهة نظر في رؤية الإله العالي بشكل مختلف .

وكنتيجة لخبرة اليوجا التي اكتسبها الحكماء، اتجهوا لإبداع  أسطورة خلق جديدة. ففي البداية كان ثمة (شخص) واحد فقط نظر حوله واكتشف  أنه وحيد وبهذه الطريقة أصبح على دراية بنفسه وصاح ((ها أنا هنا)) وهكذا ولدت ال (أنا)  وهي مبدأ الذات .

ولأنه كان وحيدا شق جسده نصفين وأوجد رجلا وامرأة أنجبا معا كل شيء في الكون.

الفراعنة

عندما نوجز الحديث عن الحضارة الفرعونية نجد أن العالم سيظل منبهرا طوال الوقت  بما تركه الفراعنة في فن التحنيط. فلم تكن قيمته في احتفاظ المومياء بكل هذا القدر من هيكلها البشرى حتى من الشعر والجلد وحسب، ولكن في  سر عملية التحنيط بحد ذاتها وكيفية القيام بها.  وحتى لو توصلنا إلى السر فسوف نجد أنفسنا أمام واقع يؤكد  أن ما وصلنا إليه من اكتشافات قد لا يكون مثل ما توصل إليه بشر عاشوا قبلنا منذ عشرة  آلاف عام وقدموا للبشرية هذا النموذج العلمي المبهر، هذا في مجال علم التشريح والطب  على سبيل المثال.

أما في علم الكيمياء، نجد أنهم توصلوا إلى مركبات كيمائية لا ينتهي أثرها بعوامل الطبيعة كالشمس والماء والهواء والتربة ولا تتفاعل ولا تتحلل  ونجدها في الألوان الموجودة على الجدران في المعابد وعلى التوابيت وداخل الأهرامات وغيرها  وهذا مما يؤكد أنهم منذ عشرة  آلاف عام توصلوا إلى اكتشافات لم نصل نحن إليها في العصر الحديث.
ناهيك عن العمارة وفن البناء.  فمن أهم عجائب الدنيا السبع أهرامات الجيزة الشامخة بشكلها الهرمي منذ قديم الأزل  تقف راسخة في مكانها  لتدلل على ما كانوا عليه من قدره عجيبة في البناء والعمارة بخلاف بهو الأعمدة ومعبد الكرنك  وغيرها من الآثار والأماكن التي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.
أما على المستوى الإنساني فنجدهم أول من اكتشف الموسيقى ، كما نرى الرسوم والكتابات على المعابد  وكل ما يتعلق بمقومات الحضارة الحديثة كان  يؤكد بشكل كبيرأنه مجتمع متحضر حديث.
في النهاية ماذا وصلت إليه الحضارة الفرعونية؟؟  اندثرت بعد أن بلغت أوج تقدمها. وسأسرد  باقي الفكرة بعد سرد  أمثلة أخرى لحضارات مختلفة .



Share To: