الزواج هو  فطرة الله سبحانه وتعالى التي فطر الناس عليها ، وهو النظام الأمثل الذي يحقق للإنسان الأمن والإستقرار والسكينة وكل مقومات السعادة ، إنه بناء محكم متكامل بديع يحتوي أحلام البشر وآمالهم ورغباتهم ،  ولهذا فإن عملية خلق الإنسان ارتبطت بالزواج ، أي أن الزواج تقرر للإنسان قبل خلقه أو مع خلقه أو بعد خلقه حين تقرر نزوله إلى الأرض ، فالإنسان لم ينزل من الجنة  إلى الأرض فردا بل زوجا  ،  والأصل  في الزواج أن يشكل  صلة دائمة ، وهكذا يجب أن تكون نيّة الرجل والمرأة عند الزواج ، أن يظلا معا مدى حياتهما وألا يفترقا إلاّ وفق الشروط التي وضعها الله سبحانه وتعالى للطلاق .

وبالرغم من اختلاف الثقافات بين البشر ، إلاّ أن الإنسان يفخر ويسعد بإعلان وإشهار زواجه ، ففي هذا الإشهار،  إشارة إلى أنه لم يعد مجرد مسألة فردية متعلقة به ، فهو الآن أصبح فردا مؤهلا ليحظى بالقبول من طرف آخر لبناء حياة سعيدة مشتركة  ، بل إن هذا الكيان الثنائي أصبح يشكل نظاما اجتماعيا ، ولما كان للزواج نتائج تتعدى الزوجين وتمتد إلى الأبناء الذين هم ثمرة الرابطة الزوجية ، فقد اشترطت معظم الشرائع السماوية لحماية الأسرة أن يكون الزواج قائما على الثبات والإستمرار، ففي هذا مصلحة الوالدين من جهة ، ومصلحة الأبناء من جهة أخرى .

إن المرأة حين تترك بيت أهلها لتعيش مع زوجها، فإن هذا يعني بأنها تشعر بأقصى درجات الأمان، مدفوعة بفطرتها وغريزتها بأن تتحمل مسؤوليتها في الحياة كزوجة وكأم، ولتكون محورا من محاور الحياة في تكوين أسرة، وتحقيق السكينة والإستقرار لها، ولتهب الرجل أي زوجها الحب والحنان، وتشاركه الأعباء والمسؤوليات، وهي من خلال الزواج تتعرف تدريجيا إلى ذاتها الأنثوية.

كذلك الأمر بالنسبة للرجل، فهو حين يترك بيت أهله ليسكن مع زوجته، فلأنه يشعر بالأمان والإكتمال، وهو يستشعر مسؤولياته اتجاه زوجته وأسرته، فيعمل جاهدا لإسعاد هذه الأسرة بشتى الوسائل المادية والروحية، فالزواج مسؤولية ورحلة عمل ومشاركة وواجبات وحقوق، تتحقق بتكامل وتناغم الأدوار بين أطراف هذه العلاقة.

إن العلاقة السليمة بين الزوجين لا تتولد من فراغ  بل إنها تتطلب جهدا كبيرا من قبل الطرفين ، وفي خضم هذا الجهد المبذول لا بد من فترات راحة واسترخاء ، تضفي لمسة جمالية وتظهر البعد القيمي لهذه العلاقة  ، فالحب الحقيقي  بالنسبة للرجل هو عدم محاولة التغيير ، فعندما يعثر الرجل على المرأة المناسبة ، وقد يحدث هذا بعد بحث طويل ، فإنه يفسح المجال لقلبه بالإنفتاح وحب تلك المرأة وتقبلها على ما هي عليه ، في حين أن الأمر بالنسبة للمرأة عكس ذلك ، فالمرأة عند اختيارها الرجل الذي سيشاركها حياتها ، فإنها تبحث عن الرجل الذي يمكن أن يشعرها بالسعادة والذي يملك الإستعداد للتغير مستقبلا .

مما لا شك فيه أن هناك أوقاتا صعبة في الحياة يمر بها كلا الزوجين ، فيشعران خلالها بالضجر والملل ، مما يثير جملة من التساؤلات في تحديد سبب حدوث ذلك ، ولأن كل طرف منهما يحمل جينات وراثية  مختلفة ، ولأن كلا منهما قادم من بيئة اجتماعية مختلفة ، فإن ثمة مشكلات تنشأ من خلال التعامل اليومي ، وهوما يؤدي إلى القلق المحمل بالتوقعات غير المريحة ، أو أن هذه التوقعات تكون موجودة من البداية فترتفع حدة القلق ، ما يعني مزيدا من التوقعات والتوجس ومن ثم التحفز ، وهذا بحد ذاته أمر طبيعي ، فالإختلاف أصل الحياة ، ولولا الإختلاف لما حدث اللقاء  ، فالمختلفان ينجذبان ويتلاقيان ويلتصقان ، وفي الإلتصاق لا بد من الإصطدام ، لكنه اصطدام ترعاه المودة والرحمة ، فالإنسان يدخل الحياة الزوجية وعقله قلق لكن قلبه محب ، وقلق البداية هو قلق التعارف ، وهو قلق موروث ، لكنه في ذات الوقت قلق مدعوم بأفكار ومفاهيم سائدة تختلف من مجتمع لآخر ، لكن القلق إذا ما ازداد أدى إلى الخوف الذي يحفز وضعية الدفاع ما يجعل الطرف القلق يستثير حفيظة الطرف الآخر في حالة استنزافية لمغالبة الخوف وتأكيد الشجاعة ، ولكنها في النهاية ليست حربا ، فالأصل في العلاقة هو الحب والرغبة في السكن والإستقرار وبناء أسرة ناجحة  ، فالعقد الذي يفترض فيه الديمومة مدى الحياة يتطلب قدرا كبيرا من التعايش وخفض مستوى المشاعر السلبية إلى الحد الأدنى ، والحقيقة أن هذه المشاعر ليست سلبية بالمطلق فهي تشكل مختبرا تقود التجارب فيه الزوجين إلى الإكتشاف لتحقيق مزيد من الفهم والإقتراب .

إن احتواء مشكلات الأيام الأولى والسنوات الأولى يتحقق بالنضج الذي هو العلم والثقافة والتجربة الحياتية بشكل عام ، وهو مطلوب للرجل والمرأة ، يبدأ الرجل فتستجيب المرأة ، وتبدأ المرأة فيستجيب الرجل ، كل منهما يحتوي الآخر بعقله وقلبه ، فالعقل موطن الأفكار والقلب مسكن المشاعر ، ولا تستقيم الحياة بواحد منهما دون الآخر ، فتمضي الأيام حاملة معها قلق الإكتشاف والتوقع ، لتحل محلها مشكلات الإصطدام بالحياة نفسها .

إن التواصل والسكينة والطمأنينة والرحمة بين الزوجين هي ما ينبغي أن يسود أجواء العلاقة الزوجية ، وإن ضعف أو غياب هذه المعاني يفرغ الحياة الزوجية من مضمونها ، ويحيلها إلى عبء ثقيل من الهموم المتراكمة  ، وإن الحوار بين الزوجين يشكل الحبل السري الذي تتغذى من خلاله السعادة الزوجية ، ووجوده  هام لحل المشكلات كما يشكل مانعا لوقوعها ، فالمرأة تكره الركود في الحياة الزوجية وتريدها مفعمة بالحركة والتواصل والعطاء والحوار ، فتراها تعمل جاهدة لتعيد الحيوية للحياة مع شريكها  ، لذا فإن نجاح المحادثة بين الزوجين في مواجهة المشكلات التي تعكر صفو علاقتهما يحتاج إلى أمرين مهمين ، أولهما تحديد الهدف من عملية التواصل والذي ينبغي أن يتمثل في تقوية العلاقة بين عقلين وقلبين وروحين ورؤيتين للحياة في سبيل مصلحة الأسرة ، وعندما يتحقق هذا الهدف فإن المناخ العام للأسرة سوف يتحسن ، ما يعني استيعاب أفضل من كليهما لحاجات ورغبات بعضهما البعض ، ما يقوي أواصر الثقة وتفهم الآخر ، ويشيع جوا من الإيجابية بينهما ، الأمر الذي يشكل مناعة قوية في وجه  الكثير من المشكلات التي تتلاشى من تلقاء نفسها ، وما يتبقى منها فإن حله ، إما أن يكون سهلا  ، أو يمكن تحمله ومعايشته .

إن عدم إدراك كثير من الزوجات والأزواج لهذا المعنى يجعل تواصلهما وجلوسهما مع بعضهما مجرد فرصة للمناكفات وبث الشكوى والتأفف، مع الأخذ بعين الإعتبار بأن الزوج مسؤول على نحو أساسي عن تقوية العلاقة بالزوجة، فهي تنتظر من الزوج أضعاف ما ينتظر منها من الرعاية والحنان والتفهم. 

أما الأمر الثاني لنجاح المحادثة بين الزوجين فيتمثل بهندسة التواصل بينهما، وذلك من خلال الإتفاق على الوقت المناسب للتحدث ، بحيث يمنحان أنفسهما الوقت الكافي لذلك ، فالمحادثة الممتعة والمفيدة هي التي تتم بناء على تجاذب الطرفين أو جذب أحدهما للآخر ، ولا يكون الضغط والإكراه سببا في خوضها منذ البداية ، فالجذب وليس الإكراه قاعدة ذهبية في العلاقات الإنسانية .

إن العلاقة بين الزوجين بالغة التعقيد ، فهي عميقة وتلقائية وسهلة ، كما أنها في الوقت نفسه حساسة وتقوم على عدد من التوازنات الخفية ، ولهذا فإنها تحتاج إلى إدارة ورعاية خاصة ، وهي عموما تحتاج إلى الخلق الكريم أكثر من حاجتها إلى العقل النيّر والعلم الغزير ، فكم من علاقات زوجية ناجحة تمكن فيها الزوجان من قيادة مركبهما إلى بر الأمان ، وتقديم نماذج مميزة في التنشئة وإعداد أبناء ناجحين صالحين ترفد بها المجتمع ، رغم تدني المستوى التعليمي لأحدهما أو كليهما ، في حين قد تزداد نسب الطلاق بين حملة الشهادات الجامعية ، فالمسألة أخلاقية قبل كل شيء .

إن علاقة الزوج بالزوجة علاقة ذات طبيعة خاصة لا تماثلها أي علاقة أخرى، وتكمن خصوصيتها في كونها تحتوي شيئا من كل علاقة، ففي مضمون العلاقة بين الزوجين شيء من رعاية الأب لأبنائه، وحنان الأم لأطفالها، ومساندة الأخوة لبعضهم، وزد على ذلك الترابط الأبدي والإحساس بالمسؤولية المشتركة، إضافة إلى العاطفة التي تسكن القلب، ثم تلك العشرة الطويلة التي تخلق الألفة وتذهب عن الإنسان أحاسيس الوحشة والإغتراب.

إن الحياة  الزوجية شراكة بين طرفين ارتبطا بعقد شرعي موثق في مؤسسة رسمية ، لكن العقد الحقيقي الذي يضمن استمرار هذه الشراكة هو عقد نفسي وقلبي وعقلي ، وهذه الشراكة كغيرها  لا بد وأن تواجه مشكلات عديدة ، ولا توجد مشكلة مهما كانت كبيرة أو صغيرة إلاّ ويمكن حلها ، وفي غمار هذه التفاعلات ، تكسب الأيام هذه العلاقة  الخبرة وتزيدها اقترابا وتفاهما يمتدان إلى الأعماق ، ما يعني الإنكشاف الكامل على الجوهر ، جوهر الإنسان الذي يشاركك طعامك وشرابك وأنفاسك وأحزانك وأفراحك وتطلعاتك نحو المستقبل ،  ذلك الإنسان الذي يدخل في نسيج ماضيك وحاضرك ومستقبلك ، ولهذا فأنت حين تختلف مع شريك حياتك بعد خمس سنوات من الزواج أو بعد عشر سنوات  أو أكثر من ذلك ، فاعلم أنك في واقع الأمر تختلف مع بعض نفسك أو كل نفسك ، فمهما كانت الرياح عاتية وعاصفة ، فإن الشجرة راسخة ، لأنها شجرة الحياة ، إنها الشجرة التي تمد الحياة بالحياة . 





Share To: