رغم سعة الأماكن التي حطت عليها الأقدام، وآلاف الوجوه التي عبرتني؛ لم تحفظ الذاكرة سوى الأماكن البسيطة، ولم تغري عيني سوى الوجوه والشخصيات الممتلئة بالبساطة!
والبساطة ليست مهارة تكتسب وتتعلم، بل هي طريقة حياة عفوية. لا ينتظر صاحبها شيئًا من أحد ولا يريد أن يثبت لأحدٍ شيئا، تسأله عن سبب سعادته فلا يعرف هو نفسه جوابًا. كل ما في الأمر أنه يعيش حياة بسيطة!
في المقهى سمعت رجلًا يتحدث بلغة جميلة مع امرأته، سألته ما أمنيتك لهذا العام؟ فأجابها بعفوية مدهشة -أن يحبب الله لي الحياة البسيطة- فابتسمت من شدة وقع الكلمة على قلبي ولعظمة الأمنية!
فمن لم يكفه القليل من الأشياء لن تكفيه الدنيا كلها، ومن لا يشعر بالسعادة في أبسط المسرّات لن يسعده أي شيء في حياته!
البسيط حاجاته صغيرة ورغباته سهلة، تشبعه لقمة ويفرح بأبسط الأمور؛ وسادة من ضمير مرتاح أفضل عنده من ألف فراش وثير. هو حرٌّ من عبودية الأشياء، إذ لايملك ما يتحسر على فقده!
البسيط تكفيه نسمة عليلة ليمتن لله شكرًا، عبارة حب صغيرة تعمُرُ يومه بالسعادة، يشعر بالنعم الإلهية المحيطة به بحساسية فائقة وبهجة. ويملك روحًا مرهفة وشفافة تفهم آلام البشر.
حتى بعض المدن تأسرني ببساطتها الفاتنة، شوارع لا تملك أي مساحيق تجميل أو بهرجة؛ لكنها تسلب قلبك وتشعرك بالألفة بلا أي كلفة.حتى صرت أخاف القرب من البشر/الأماكن المترفة، لشعوري أنها تقتل روح الإنسان وتسبب كآبته !
وإنما تحلو الحياة في مدن بسيطة- سراييفو، تيرانا ، بيشاور، النوبة، القيروان أو حتى في البادية، حيث متعة الحياة في صحبة البسطاء، تلك القلوب التي فتحها البؤس وليّنها، والأفئدة التي انكسرت من الهزيمة فأصبحت أكثر رحمة.
Post A Comment: