استيقظت مفزعا بعد غفوة قليلة من النوم ، وأفكار سيئة تتزاحم داخل مخيلتي ، فغادرت زنزانتي المعتمة بسرعة كأني أفر من شيء ما ، حاملا معي كوبا من شاي و علبتي من سجائر من نوع الرديء الذي لم أعتد على ارتشافه خارج أسوار السجن ، مشعلا سيجارتي باعتا النور بين زوايا البهو أخطو إلى الحمام مباشرة.
فسمعت صوتا خافت يشق الظلام يناديني : مراد ، مراد ...
لم اكترت فأكملت الخطو مطأطأ الرأس منتشيا بسيجارتي ...
عند اقترابي من باب الحمام استشعرت وجود شخص ما عند المدخل فأتممت المشي ...
فتنتارت كلمات من مدخل مراد ، مراد ، كأن الجدران تتحدث ، فعانقني بحرارة عند ولوج الحمام مباشرة دون أن أدري من يكون .
وأردف قائلا : ماذا تفعل هنا ، هذا المكان البئيس يضيق بأمثالك .
فأزحته عن صدري و ابتسامة تلون محياي ، باحثا بين صفحات الذاكرة عن هويته ...
وأجابته قائلا : شكرا لك هذا لطف منك أخي ...
فأجابني بوضع يده على قلبه محركا رأسه يمينا وشمالا كأنه عجز عن الكلام ، تائها ينظر في تجاعيد وجهي كأنه يتساءل عن سبب ولوجي هذا المكان المشؤوم وكيف لي الأيام أن تتدرج بالإنسان من مكانة مرموقة إلى حيز لا أمل بعده تقريبا بهذه السرعة ...
ليعود ويعانقني دون أدنى كلمة مما جعل عيوني تغرورق رغم مقاومتي ...
مرت أيام السجن بطيئة صعبة لتعلن عن استرجاعي حريتي من جديد ، وإبتسام أبواب الفلادية في وجهي بعد طول المكابدة بين أحضانها لسنتين ظلما.
نهضت في صباح الباكر دون أن أرى النوم وحنين إلى حياة خارج السجن يشل كياني كالعصفور يهوى الطيران خارج قفصه ... فجمعت ما في جعبتي من أغراض بسرعة منتعلا حدائي مطاط دون أن أنسى قبعتي سوداء ، ذاهبا بسرعة من أجل إنهاء تدابير الإدارية من أجل اعتناق الحرية .
[ ] خطوت خطواتي الأولى خارج السجن في جو بائس ، دون أن أجد أحدا في انتظاري ، شارد العقل مملوء باليأس مستلقيا في بحر من تيه غائما في بحث عن أجوبة لعدة أسئلة تراود ذهني أهمها ...
[ ] إلى أين ؟ توقفت عن المشي وأجابت ذلك المارد في الباطني إلى حي النصر ...
[ ] فرد بسرعة لزيارة صديقك أمين .
[ ] فأتممت سيري مبتسما دون أن أتفوه بكلمة ، فخيم عنه الصمت كأنه انتزع مراده .
[ ] ركبت حافلة متوجها إلى حي النصر ، كان كل شيء بها يبعث اليأس في نفسية الركاب ، بنيتها الداخلية ، حالة المقاعد ناهيك عن عدد الركاب إلى أني لم أستغرق بها من الوقت الكثير ، حتى اتضحت لي ملامح الحي المرغوب ، مشيعتا البسمة بدواخيلي .
اتجهت مباشرا بعد نزولي من حافلة إلى حيث يقطن صديقي ، كل شيء ظل على حاله ، لون الجدران ، المظهر الخارجي بمجمله فتقدمت لطرق الباب عدة مرات وقعدت من شدة التعب أنتظر ، مبحرا بين صفحات الماضي أبحث عن تاريخ المرة الأخيرة التي زرت فيها هذا البيت ... وأنا الشارد الذهن ... حتى كلمني عامل الحماية بعد فتحه باب المبنى قائلا :
السيد مراد أهلا وسهلا ، منذ مدة طويلة لم تأتي ...
فأجبته : شكرا شكرا ، أفضل مراد هكذا أحب أن أسمعها
فأردف قائلا بحس كوميدي كما تريد ... وفتح الباب على مصراعيه ، وردد قائلا هيا أدخل سيارتك ...
فأدركت حينها أنه لا يعلم شيئا عما حدث لي .
فأجابته قائلا : لم أتي بسيارة لقد جئت في الحافلة ...
فرد قائلا : آه ، جيد كأنه يظنني أمزح .
فقاطعته قائلا : هل أمين موجود بالبيت...
فأجاب قائلا : نعم بداخل ، هيا تفضل .
فأردفت قائلا : أخبره بقدومي ، منذ سنتين لم نرى بعض ، وقعدت في مكاني أنتظر .
فذهب بسرعة رشيق الفكر ليخبره...
ليعود بعد عدة الدقائق غريب أطوار ، حيث كلمني قائلا بأسلوب ساخرا ... دامت لك حرية ، سيدي مشغول الآن ... ، خد هذا لتعديل وضعيتك و انصرف ...
فأدركت ما جرى وأجابته قائلا : و ابتسامة مصطنعة تسكن شفتاي ، دعهم لك ربما تحتاجهم غذا ...
و انصرفت من أمامه ، و كراهية هذا مشهد تقتات روحي ، مقاوما بداية الشعور بكره تجاهه ، كأنني أمنحه الحق التصرف كما يشاء .


Post A Comment: