أحيانا نجول في كتيب ذكرياتنا، نقف أمام كلمات كتبناها، نقرؤها، نتأملها، ثم نبتسم!
إليكم هذه القصة التي تعود أحداثها إلى سنة 2019. ليست من سرد الخيال، إنما هي من سرد الواقع...
___________
حدث في الطريق :
أخذت الحافلة في اتجاه محطة القطار بمدينة الرباط، كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء. 
نعم إنها الخامسة مساء وافتتاح المعرض التشكيلي الذي انتظرت قدوم موعده بكل اشتياق يبدأ في نفس الساعة. لم يكن بوسعي مغادرة الرباط قبل هذه الساعة. 
ظللت صامدة قوية وكلي أمل في أن  ألتحق بالأصدقاء بالمركب الثقافي عبد الله كنون بعين الشق.

 وصلت المحطة، سمعت رنة هاتف تشبه هاتفي. فتشت في حقيبة يدي، لا أثر للهاتف. فتشت في الحقيبة الصغرى، لا أثر له. بدأت أفكاري تتشتت،  وبدأ القلق يخيم  ويجد له مكانا ليتربع على عرش أفكاري. ما الذي يقع؟ إنها الخامسة وخمس دقائق، إنها الخامسة وعشر... لا والله لن أستسلم وسأدرك احتفال هذا المساء.

لما كنت أفتش عن الهاتف، اكتشفت أني تركت محفظة نقودي بالبيت. يا ربي، أنا في وضع لا أحسد عليه. فتشت مرات حقيبتي عساني أجد بها حلا. كان الحظ حليفي، فقد وجدت بها بعض الأوراق المالية "الخير ما يخطاش" هه. الحمد لله. لكن ماذا عن الهاتف؟!

لم يكن لدي اختيار، وكان لا بد لي أن أجد هاتفي. تدبرت أمري واتصلت بهاتفي مرات عديدة.  الوقت يمر، وكان كالسيف يحاربني. يا ربي ما الذي يقع؟! دائما كنت متزنة ومرتبة ومنظمة. لعنت الشيطان الذي كان يردد على مسامعي "هادي ساعة ناقصة، ارجعي بحالك، انساي المعرض، انساي كلشي...كلشي... "

اتصلت كثيرا، وبين مد وجزر أفكار متفاوتة الحرارة، رد علي  سائق الحافلة. معجزة رائعة! لقد أكد لي أن الهاتف بحوزته، واعتذر مني على عدم رده على المكالمات لأنه كان يقود الحافلة وما إن استطاع ذلك حتى أجابني.
شرحت له ظروفي ثم رجوته، فتفهم الأمر وكذا الركاب. كانت الحافلة تخص نقل الموظفين.

اطمئننت على الهاتف، فهو بين أياد أمينة. لكن كان لزاما علي استرجاعه، فهو وسيلة التواصل الوحيدة خارج البيت، ناهيك عن الخدمات التي يوفرها لي من متابعة أخبار وبعث رسائل والتقاط صور وغيرها. 
رجوت صاحب الحافلة وتفهم الزملاء الموقف، فسألته عن مكانه. بينما أنا على هذه الحال، وقف صاحب سيارة أجرة أمامي وكأن قوة عظيمة جاءت به إلي. صعدت السيارة وتوجه به إلى مكان الحافلة لأجد السائق ينتظرني والهاتف بين يديه الأمينتين. رجع بي سائق السيارة إلى محطة القطار بالرباط. أخذت القطار المتجه إلى الدار البيضاء الميناء رغم أن وجهتي كانت عين الشق وأقرب محطة كانت هي "لوازيس" أو " الدار البيضاء المسافرين". 
لم يكن بوسعي الاستسلام لهذه الأحداث، كيف أستسلم وأنا من رسم لوحتي إشراقة الأمل وشجرة التمني المعروضتين بالمركب الثقافي عبد الله كنون بعين الشق.

بالقطار كان أب يداعب طفلته الصغيرة، كانت تتطلع إلي بين الحين والآخر. أحسستها تهديني ابتسامة امتصت غضبي وثورتي وأرجعت إلي هدوئي وأرجعت إلي ابتسامتي. هكذا التحقت بالأصدقاء بالملتقى الأول لمغاربة المهجر تحت شعار "المهاجر حلقة في المشروع التنموي الجديد للمغرب"، وهكذا أخذت صورا بعدسة كاميرا هاتفي، وهكذا استمتعت في الساعة الأخيرة من الحفل.






Share To: