نحـن الـذينَّ يتـركون الـنهَّاياتِ مـفتوحةً، مُـفتقري الـهوية، أُناسٌ يـؤلمهم التـقيُّد بينما يسير قطارُ الأمال، نصنعُ من الأملِ صيغةً للسعادة حيث ننسلخ من ذواتِنا في محاولة جعلها حقيقة، نتأمل صفحة السماءِ في محاولة مسح الأخطاء، نركب قطار الأحلام ليلاً على أمل الاستيقاظ على صوت تحققها. 

فـي صباحِ اليوم السابع والعشرين من كانون الأول الزمنُ شتاءٌ باريسي قارس، تلقيت رسالةً نصيه محملة بالغرابة والشذوذ؛ لأنه لم يظهر لي رقم المُرسِل لم أحاول فتحها حتى لأن ما كان يظهر منها على لوحة الهاتف :

"أعــرف أنــك لــســتِ بــالـشـجـاعـة الـكـافـيـة..."

 ظننت أنها من معتوهٍ يحاول تشتيت أفكاري فـتجاهلتها، وفي تمام الساعةِ الثالثة ظهراً من اليوم التالي تلقيت رسالةً أخرى ومجدداً بدون مُرسِل وكان محتواها :

"أدري أنــكِ لــم تـقـومـي بـفـتـح الـرسـالـة الـسـابـقـة لـكـنـنا وفـرنا لـك مـقـعـداً مـجـانيـاً فـي قـطـارِ "2020" الـمتـوجـه إلـى مـحـطـة "2021"، سـتـبدأ الرحـلة فـي تمـام الـسـاعة11:59𝑝𝑚 وسـتـسـتمرُ لـعـامٍ كـامـل عـليـكِ الـحضـور أتـركـي العـنـاد جـانـباً أرجـوك نـحـن فـي إنـتـظـارك".

كنت أفكرُ في الأمر مدةً طويلة، وعقلي يقول لي أن هذه مزحةٌ من أحد أصدقائي مؤكد، وفي أخر لحظة وأخر فرصة لي من الزمن، حملت حقيبتي وركضتُ إلى المحطة، تفاجأت بأنهم كلهم ينتظرون قدومي لكي يتحرك القطار، الركاب كانوا شاحبي اللون بعض الشيء لكنهم يبتسمون، مكتوب على القطار بخطٍ عريض"قـِـطــارُ الــتــوهــــانِ" لم أفهم شيء في مُقتَّبل الأمر.

حانت لحظة تحرك القطار... نادى أحد العاملين بالمحطة بصوتٍ مرتفع إصعدوا، إصعدوا إلى أحلامكم، وما زلت في عدم قدرةٍ على الفهم، صعدت إلى القطار وكان مقعدي محاذياً للنافذة، أطلقت صفارة الإنطلاق مع أول ثانية من الساعة الثانية عشر من كانُّون الثاني، وبدأت المُحركات بدوزنة صوتها كأنها نوتةٌ موسيقية شهيرة. 
أثناء الرحلة كنت أحدق عبر النافذة لم أحاول التعرف على زملائي في الرحلة حتى، كانت هنالك مصابيحٌ بيضاء على جوانب السكة، وأشرطةٍ مضيئة تمتد بين أعمدة الإنارة الشامخة؛ وموسيقى خافته من هاتف أحد الركاب، حتى إصطفاف النجوم ومراقبتها لنا بكل هدوء تثير القلق وتعزيك بالإندهاش من غرابة تمازج البؤس والفرح وإخراج قالب جديد من معزوفات التوهان الأزلية.
كان ذلك كفيل بأن يبددَ وحشة العام ويؤنس المشردين وعابري السبيل مثلنا، أرى طرقاتٍ يشدها قطيعٌ من الهواجس الشاردة، رفعت عيني فوقعت على فتاةٌ ساهمةُ البالِ تقفُ عند المدخل، وفي عينيها نظرة تنطق ألف حرفٍ في رجاء بأن يكون العام الجديد لطيفاً ولا يلبس قساوة وقبح الماضي، أحسست أن الرحلة إلى المحطة المُقبلة طويلة الأمد، لكن رغم المراوغة وصلنا إليها، كانت مختلفة قليلاً، أظنها ليست في كوكب الأرض لا أدري.

كانت عبارة عن أكواخ صغيرة مصفوفة بإنتظام تفصل بينها ممرات صغيرة مغطاة بزهور صفراء، أظن أنها أرض التمني فعلاً أو لربما الحالمون وقد نالوا.

_لكـن ناهـيك عن هـذا كله أريد أن أعرف من المُرسِل...!







Share To: