بَيْنَمَا أَنَا عَائِدَةً مِنْ دوامي وَبَعْد يَوْمًا مَلَل كَالْعَادَة و رُوتِينِي جِدّا غَيْرَ الْمَطَرِ الَّذِي قَرَّرَ سُقُوطِه فَجَاءَه و بَيْنَمَا أَنْهَيْت كُلّ أَعْمَالِي و أَنَا عَائِدَةٌ بَعْد دَوَام طَوِيلٌ ، مَرَرْت بِإِحْدَى الطُّرُق الِاعْتِيَادِيَّة لِأَرْجِع إلَى مَنْزِلِي. و فِي أَثْنَاءِ قيادتي رَأَيْتُ امْرَأَةً كَبِيرَة فِي الْعُمْرِ ، و بِسَبَب الْأَمْطَار كَانَتْ الرُّؤْيَةُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ و لَكِن شَيّ فِي قَلْبِي سَاقَنِي إلَيْهَا ، فَقَرَرْت التَّرَجُّل مِن سيارتي و السَّيْر بِبُطْء شَدِيد لِخَوْف عَقْلِي مِنْ الْمَوْقِفِ و حِمَاس قَلْبِي للمساعدة. تَوَقَّفَت عِنْدَ رَأْسِهَا الَّذِي كَانَ يَنْحَنِي كإنحناء وَرَدَّه ذَابِلَةٌ، ف تَفَتَّحَتِ الوَرْدَةُ و رَفَعَتْ رَأْسَها بشموخ و أَمَل عِنْدَمَا رَأَتْنِي رَغِم التَّجَاعِيد الَّتِي رَسْمِهَا الزَّمَنُ عَلَى وَجْهِهَا بِكُلّ قَسْوَة انحنيت إلَيْهَا قَلِيلًا بِسَبَب سَمِعَهَا الضَّعِيف و سَأَلْتُهَا :"مَا بِك يَا خَالَةُ تجلسين تَحْتَ هَذَا الْمَطَرَ ؟ . . . . تنتظرين لِهَذَا الْوَقْتِ الْمُتَأَخِّر ؟ !" 
فَأَجَابَتني : "الرِّزْق يَا بُنيتى" فَأُنْزِلَت رَأْسِهَا كَأَنَّمَا أَصَابَهَا الْإِحْبَاط . ، 
قُلْت لَهَا : "أَلَيْس مَعَك بَعْضَ الْمَالِ يَكْفِيك لِهَذِه اللَّيْلَة ؟"
فأجابتني و الْحُزْن يعتلي كُلّ مَلامِح وَجْهِهَا:" لَا وَاَللّهِ أنا انْتَظَرَ مَنْ سَاعَةٍ مُبَكِّرَةٍ وَلَم يشترِي مِنّي أَحَدٌ" ، 
فَقُلْتُ لَهَا : "أَيْن ابنائك ؟" ، 
فأجباتني بِأَلَم شَعَرْت بِهِ فِي دَاخِلِ أَعْمَاقِ قَلْبِي :" لَم يَرْزُقَنِي اللّهُ إلَّا بِبِنْت عَمْيَاء وَزَوْجِي مَقْعَد" ؛ . 
قُلْت لَهَا :" هَل أَسْتَطِيع مُساعَدَتِك بِشَيْء". 
فأجبتني قَائِلُه :" يَا بِنِيَّتِي أَنَا لَسْت بمتسولة وَلَا أُرِيدُ مَالِكٍ مِنْ دُونِ مُقَابِلٍ كُلُّ مَا أُرِيدُهُ مِنْك أَنْ تَشْتَرِيَ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ مِنْ هَذَا الصُّنْدُوقِ الْمُتَوَاضِع" . . . 
لِأَشْتَرِي بِه خبزاً وبعضاً مِنْ الطَّعَامِ ، فَوَجَدْت أنّ لديَّ بَعْضُ مَنْ الْمَالِ فَاشْتَرَيْت مِنْهَا بَعْضُ الْأَشْيَاءِ ، 
وَقُلْت لَهَا :" اذْهَبِي إلَى ابْنَتَك وَزَوْجُك يَا خَالَةُ فَقَدْ تَأَخَّرَ الْوَقْت" ، 
فَرُدَّت قَائِلُه والفرحة فِي وَجْهِهَا كَأَنَّمَا أُعْطِيتَهَا عَمْرًا جَدِيدًا : "بَارَكَ اللَّهُ لكِ فِي عمركِ وزادكِ رزقاً وَوَفَّقَك يَا بُنيتي" وَكَانَت الدُّمُوع عَلِيّ عَيْنَيْهَا ؛ . . . . 
فَقُلْتُ لَهَا :" مات عُمَرُ يَا خَالَتِي.. مات"
و ذَهَبْتُ إِلَى سيارتي و فِي قَلْبِي أَلَم لَمْ أَشْعُرْ بِهِ مِنْ قِبَلِ . . . 
ظَلَّ هَذَا الْمَشْهَد يَدُورُ فِي رَأْسِي وظلت فِي بَالِي مَقُولَة 
"إن سَأَلُوك عَنْ الْعَدْلِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ قُلْ لَهُمْ مَات عمر" 
 
في بِلَاد يَمُوت الْأَشْخَاص وَهُم فاقدين ابْسُط مستحقاتهم ، بِلَاد اكثر ما تَجِدُه فِيهَا هُوَ الْفَقْرَ وَالْفُقَرَاءِ ، بِلَاد يُهَان فِيهَا الْفَقِيرُ عَلِيٌّ فَقْرِه ! ، وَيُحْتَرَم فِيهَا الْغَنِيّ لِمَالِه ! ، بِلَاد فِيهَا الْخُبْز ابْسُط الْأَشْيَاء أَصْبَح حلماً لِلْبَعْض ! ، حقاً متي يَنْتَهِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيم ؟ ، متي يَنْتَهِي الْفَقْرِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ؟







Share To: