من أهم حقوق الإنسان حقه في التعليم ، وحقه في الحرية ، فإذا اندمج هذان الحَقَّان أنتجا حقًّا واضحا هو : حرية الإنسان في اختيار التعليم الذي يريده . بحيث تنضبط هذه الحرية بضابط واحد لا غير ، هو : أن تكون قدرات المتعلم العقلية وافية بما يتطلبه ما يختار تعلمه من شروط ودرجات .
واعتمادا على هذه الفلسفة يجب أن تُبْنَى السياسة التعليمية ، بحيث تنتج المدارس والجامعات : مواطناً ، إنساناً ، سويًّا ، منتميا للبيئة التي قدَّرتْ قدراته ، ويسَّرتْ له سبيل تحقيق حلمه في تعلُّم ما يحب بمنتهى الحرية .
فإذا لم يكن التنفيذيون على مستوى هذا الفهم الفلسفي السليم ، فالأجدر بهم ألا يكونوا على وعيٍ – مطلقاً – بما يسميه التربويون : السياسة التعليمية . ومن ثَمَّ تراهم يخبطون خبط عشواء في قيادتهم لمشروعات تعليمية جوفاء خاوية لا تنتج إلا حملة شهادات لا يدركون ما هي ؟ ولا ماذا تُغني عنهم ؟
وتراهم يسارعون إلى ما يسود المجتمع من مشكلات مزمنة كالبطالة الخانقة الضاغطة ، فيسارعون إلى رفع شعارهم البائس ( ربط التعليم بسوق العمل ) وهم في ريب - مكتوم - من أن سياساتهم الخرقاء ستحقق ذلك !!
وآية ذلك :
1- أن المناهج التي تُدَرَّس الآن في العلوم الطبيعية والرياضية متخلفة أشد التخلف عما هو موجود في سوق العمل في بلداننا العربية . وبالأحرى الدول الأخرى الأكثر تقدما .
2- أن فكرة ( ربط التعليم ) بأي هدف آخر غير : المواطنة ، هو محض جهل بالتاريخ وبالواقع . ففي حقبة الاستعمار البريطاني لمصر حرص الإنجليز حرصا شديدا على عدم التوسع في التعليم الراقي ، لكيلا تتفتح عقول المصريين على حقهم في الحرية ومقاومة الاحتلال ، وتركزت جهودهم في عدم فتح مدارس ثانوية إلا بقدر ما تحتاجه حكومة الاحتلال من موظفين وفنيين .
3- وقد اعترف السير/فالنتين شيرول بهذه السياسة التعليمية صراحة في كتابه ( Egyptian Problem) الصادر عن دار ماكميلان للنشر في لندن 1920 ، حين قال في الصفحات من 221-227 ما ملخصه [..لم يستجب الاحتلال إلى الحاجة الشديدة للتعليم الشعبي ،فنحن حاولنا فقط أن نحل المشكلة الملحة وهي طلب المصريين للتعليم الشعبي بمضاعفة عدد الكتاتيب القديمة . وركزنا اهتمامنا نحن في المدارس الثانوية والعالية التي تحتاج الحكومة لخريجيها ليعملوا بها كموظفين ]
فترديد مقولة " ربط التعليم بسوق العمل " ماهو إلا [ تحديث !!] للسياسة التعليمية الاستعلائية للاحتلال ( التعليم لتخريج موظفين بالحكومة )
أما ما يردده التربويون من شعارات : بناء الإنسان ، تخريج المواطن الصالح ، وما يلقنونه طلابهم من ضرورة احترام اهتمامات التلاميذ وتلبية احتياجاتهم فسوف يظل أحلاما أو أضغاث أحلام . ما لم يجهروا بدعوتهم تلك ويصدعوا بلعناتهم لكل الأدمغة الموبوءة التي تتنكر لإنسانية الإنسان وحقه في التعليم ، و"تسجد وتركع " لسوق العمل.. وحده : لا شريك له !!
Post A Comment: