يتسلل الليل بهدوء ليعلن بعد لحظات أنه قد أستولى على الكون ، تغلق المتاجر أبوابها يسير الجميع بخطوات مثقلة بالتعب إلى منازلهم لتلتهم الأسرة أجسادهم ويغوصون في دفىءٍ يليه نوماً عميق ، وبعدها يحلم البعض بسياراتٍ وقصور ، والبعض الآخر بين الفنية والأخرى بالمنزل يتجول ويدور من أرقٍ يعانيه رغم الفتور ، ومتيماً عاشقاً سيطر الحب على أجفانه وطار النوم بعيداً ورفرف القلب بحبها مسرور ، طفلاً آخر رضيع ومن الحمى يتألم بأهاتٍ تقبض على قلب أمه وتتألم وكأنها صغيرها المحموم ، مجتهدةً ترى الليل فرصتها لتراجع دروساً  ستسمو بها ذات يوماً إلى الثريا ، على التلفاز تجلس لمشاهدة المشاهير يلتقطون الصور ويتبجحون بشهرتهم ، مترنحاً بسبب إدمانه للكحول يدخل فيضج البيت بخوف الصغار وصراخ الأم على زوجها وما يفعله ، تحت فراشٍ ناعم كالحرير وملابس ثقيلة لا قدرة للبرد على إختراقها تتقلب منعمة مترفة بالبزخ....
___________
لم تكن سوى نظرة إختلاس على المنازل وما يعمرها من دفئٍ ، لا تقل لي إنه عيباً علي ما فعلته ، أنا أختلس النظر إليهم خفية وتعاتبني على ذلك ، لكن ماذا عن.......
دعني أولاً أحدثك عنها قليلاً....
____
في أحد الأزقة  على أطراف المدينة يكتسي السواد أضعاف سواد الليل ، سواد الحزن يتبعه البكاء ، سواد الجوع يتبعه الإنقباض والمرض ، سواد البؤس يتبعه العجز ، سواد في سواد ، لا وجود لشيءً للوناً هاهنا غير السواد ، إنها مستعمرةً سوداويةً...
حتى جسدها الهزيل لم يسلم من أثر تلك المستعمرة ، هالات حول عينيها الدامعتان تتنأثر الدموع منهما بفعل حركة رموشها الطويلة كفروع النخيل ، شفتان ترتجفان من البرد ويدان تحيط بهما على نفسها عسى ولعلها تدفىء قليلاً ، على قطعة من الكرتون تلتحف وفراشها قطعة أخرى منه ، على زاوية تجلس ظناً منها أنها المكان الأفضل ولكن هيهات فرياح الشتاء  كأفعى كوبرا غاضبة تنفث البرد في كل إتجاه ، تريد النوم ولكن أطرافها تخدرت وقلبها مرتعشاً لا يقوى على كل هذا الألم وكأن قفصها الصدري قد تبرى من قلبها وما عاد يحميه أين الضلوع يا صغيرتي؟ ، عفواً فأقد الشيء لا يعطيه من أين لها الدفىء حتى تدفئ ذلك القلب الضعيف...
 لا تعاتبني إن كنت أختلس النظر ، عاتبني...وبخني...وأزجرني  على حال صغيرة بمعدة خاوية لليالىٍ لم تزل ، أين المروءة يا بشر ، رحم الله عمراً كان فينا للسماحة خير من قام وتكبد لها العناء وفعل ، رحم الله قلوباً أصبحت في القساوة أشد من الحجر...
رحم الله فتاةً رحلت عن عالماً كانت تحسبه يوم خروجها جمالاً ولكن يا حسرة ضاع الجمال بين زحام البشر....
لا تعاتبني إن كنت أختلس النظر....







Share To: