الأول من تِشرين الثاني وما زلتُ أتألمُ وأنا أتأقلم.
الوقت : لا أعلم أعتقد أنه ماقبيل إنبزاغ الشمس لتُشعِل قلبي حُباً – كالمُعتاد – أذهبُ سيراً على الأقدام من قرية "جديد" (بلدة تقعُ إمتداداً لولاية النيل اللأبيض )..ساعتي لا تُفارق مِعصمي ..، أما البوصلة فكانت تحتضنُ قُماش جيبي ..
أحركُ أصابعي لتُفرقعُ فرحاً وأدندن أغنية كابلي ( نالت على يدها ما لم تنله يدي ..) شعري المُجعد يبدو مِثل – الياي – (تصفيفة شعر كثيف مُجعد ، كانت تُستخدمُ محاكاة للفنان وردي ربما ) ..كانت موقِد عَهدِنا .
نرتدي بنطال "الديسكو" كان يسمى هكذا لإتساعه ومتانته ،
سأرتاد القِطار فلقد إشتد صياحهُ وإرتفع صوتُ صافِرتهِ ..، حقيقة ان الحنين يدفعُني إليه ..فلم تعرف أرجُلي التوقف حِينُها ..، وددتُ لو أنني جزء من حديدهِ المتين لأُعانق سِكة المشوار .
عزيزي القارئ أنت تُدركُ أن السودان ومنذ استقلاله عام 1956م إبتداءً من تحرير الخرطوم عام 1885م ، حتى مقتل غُردون 26يناير ، أعلن عنه أنه بلدُ مُستقِل.
- فلك أن تتخيل عزيزي القارئ أنهُ اليوم صار مَنسِي؟
جلس بإرتجال ولم يكف عن التأفاف وهو يردد (والله ياريت الإنجليز يرجعوا يحكمونا من جديد ) بدت علي نظراتُ الدهشه وحملتُ قلمي ليُشاركني الألم ..تراود في ذِهني سؤال واحد (هل سيتكرر هذا المشهد في المُستقبل؟ ..وياليتني لم أتساءل ، الآن ..(تحول هذا الشخص الواحد إلى الآف الأشخاص )!
جميعهم يرغبون في النزوح ..بلدي يتوجعُ ..، ينوحُ بصوتٍ مُنخفض ..، فإنه ما زال يحنوُ عليكم ولا يُريد إيقاظكم من غفلتكم ..فهنيئاً لكم بثباتٍ دام أعوام .
كانوا يريدون عيش الترف ليطلقوا عليهم (ناشئين في بلد إنجليزي ؟) ..آوه عقل المواطن هو منبعُ المشاكل أوليس ؟ ..، شارف الغروب لينطلق القطار ويتوقف ..، وينادي الناطح (وصلنا ، وصلنا).
تم تحرير الخرطوم عام 1885م لم ولن أنسى مقتل غُردون وإنسحاب الجيوش وهي تفرُ مِن عروسة البُلدان الخرطوُم.
همهمتُ بإخراج كلماتٍ بذيئةٍ لأرتبها على بحر أبيض لا توجد بِه أسطُر ، كنت أريد الكتابة بالألوان (أخبروني أن استخدام بعض الألوان لا يضُر )ولكن الأزرق يحتلُ عالمي ، احتضنته بين أصابعي لأُطوقَ مشاعري المبعثرة ، خطوتُ العنوان ، (أبيض ، أسود ، أخضر ، أحمر ) ..
وعندما أتيت لأثرُد الأحداث ، نزف قلمي بكل مايملكُ من ألم الذكريات ، وكأنه يقول لي ؛عن ماذا أكتُب؟..
شُهداء لم نأتِ لهم بثأر ؟ ..أم ارواحُنا التي باتت تسيرُ منقشعة من أجسادنا الخاملة! ..ربما عُقد _السلام_ بين أجسادنا فقط ، ولكن اين سلامُ الأرواح ؟ ألم نعهدهُ بعد؟ ..
وضعتُ رجلي ببطء لتنفخَ أصابعي تُراب الخرطوم وكأن الذكريات تراءت إلي جميعها ..آه آه لم انسى قط موعدَ تحريرُكِ ياجميله .
يابلد ماياكا مَنسِي
ولا لقيت غيرك سند
ما إنت أصلك في القليب
شيدت أعمادك حَطب
حارساك ضلوع مُتشابكه
متفرعه وما ليها حَد .
أخرجتُ أوراقي وقلمي وخطوتُ العنوان "ملامحُ رجُلٍ مُسِن لم تكتمل بعد" فمتى ستكتمل؟..
ملاحظة ..
الرجل المسن هو "الوطن" ، ملامحه هي "المواطن" فهو من يرسمها ..، التي لم تكتمل بعد هي "الحياة" التي تأتي على شكل سنة تلو الأخرى ..، فمتي سيتوقف السفر ؟، ومتى ستكتمل اللوحة ؟..
كُنتُ قد كتبت في المحطه السابقة عنوان (بلدي المَنسِي) ..
لالا لم تُنسى قط ..ف ها انا اقفُ بقدامي لأُقبلَ تُراب عروستك وأدندن "غني يا خُرطومُ غني " ..واتأثر عندما يأتي مقطع " نِحنا مِنك نار وشبت ، ريح وهبت " ياجميله ..
لا لن تُنسي ، وكيف لمثلكُ أن يُنسى ! حملتُ القلم لأخطو عنوانً جديد " يابلدي السمح راجين ميلادك من جديد " .
نحنُ أبناء مجدُك ..، نقعُ وننهضُ معك ..، أبيض ، اسود ، أخضر ، أحمر ..، حُفرت هذه الكلمات ذات المعاني في ذِهني ولم نعهد الصمود لفترة قصيره ، فنحن أبناء المِحن فلتحيا أنت يا وطني .


Post A Comment: