إحدى قري حلوان .إسمها" كويسكا"1  في أواخر ثمانينات القرن الماضي كنا  في مأمورية بها  قادمين إليها من سيناء أنا وزميلي السيد خلال فترة التجنيد.
 أغلب البيوت من طابق واحد ،ولكن لا تشبه الريف ،ولا  الحضر هي :بين بين كما يقول"طه حسين" غالبية أهلها يعملون في المحاجر. إن شئت الدقة هي أقرب أن تكون قرية جبلية ، ولهذا يغطي سماء القريه غبار خانق ودخان كثيف يملأ سمائها  وكأنه مظله وضعت فوقها  وكأنه يحميها من حرارة الشمس فأصبح سطوعها خجلا..... أقبل الليل يتبعه ظلام  بتدرج بطئ وصاحبه سكون وصمت مهيب كما يحدث عادة كل ليلة من وصولنا للقرية ...؟  ثم ارتفع صوت فجأة في تدرج بدأ بطيئا عليلا كأنه صوت مريض يستغيث .....ثم يعلو  في طبقات عشوائية لا تخضع لأى مقاييس أو سلم موسيقي ...   أصبح الصوت يعلو في خشوع أذني تألفه.. لم يعد يساورنى الشك بأنه منشد يحيى ليلة أحد لأولياء.......كان يتسرب مع صوت المنشد صخب بقدر من حضر من أهل القرية تسلل الدفئ ،وبعض التحشرج والأعياء لداخل طبقات صوت المنشد ولكنه لم يغلب على التقوي والايمان والشجن التى تخرج به من نبراته .... الصوت يشق الصمت يحمله الأثير له سيطرة على الأذان....  كان" سيد" أشد منى إنصاتا لكل ما سبق...كنت أستمع بعقلى محللا.... أما هو فكان يستمع بوجدانه منجذبا متفاعلا معه....  
 فطلب منى متوسلا  أن نذهب لمكان الليله من أجل المشاركة والاستمتاع وافقته بأن نمر عليها فترة قصيرة ثم نذهب للمقهي لتناول العشاء و بعض المشروبات  خاصة وأن إحساسنا بالجوع أصبح أشد من ذي قبل .....ولكننا لا نستطيع تحديد  مكان الليله  في أول الأمر  فكلما اعتقدنا أننا اقتربنا من مكانها نكتشف أن الصوت يخدعنا كان صوت المنشد يأتيك من كل جانب مرددا صداه من كل إتجاه .... بدأ سيد يهتز جسديا و يتفاعل معه يمنة ويسرة ،فهو العاشق لحلقات الذكر بل هو درويش متيم .... لم أكتشف ذلك السر  إلا  الآن بدأ سيد يغيب مسحوب لعوالم أخري و يفقد السيطره على نفسه ، وأصبح في عالما آخر  اقتربت أن أفقد التواصل معه ....اقتربنا من البيت الذي يقام أمامه السرادق... صفوف من الناس غفيرة  متراصة يفصل بين صف وآخر عدة أمتار يتمايلون يمينا ويسارا في صوت واحدا" حي حي حي" وكلما علا صوتهم وانجذابهم يعلوا صوت المنشد وهناك رجل يقوم بدور المايسترو للمجموعه ولايقل عنهم انجذابا وتغييبا عن الواقع ولم أعرف أن سيد كان بينهم ويفعل مثلهم تماما إلا عندما اكتشفت أنه ليس بجواري وبحثت عنه ووجدته أشد منهم ترنحا ووجدا وفقد للوعي ووجدت أشخاص علي الأرض تسقط وأشخاص تصرخ وأخري تعوي وتحول المكان   لمجموعة من الدراويش والمحاذيب حقيقة وليس مجاز فهذا العالم  لا أعرفه ولا أدري كيف التفاهم معه ...
ثم توقف كل ذلك فجأة باشارة واحده من الرجل الذي الذي يقوم بدور المايسترو وجلس الجميع علي الأرض وإذا بهناجر فته توضع أمام الجميع دخل الجميع في معركة حامية الوطيس مع  الفته بعد نوبة يقظة مدهشة مفاجىة، 
 كنت جائع ولكن هذا الطعام لا يستهويني وظللت أستند علي حائط البيت المقابل أراقب وأسجل كل ما أشاهده منذ: دخول سيد حلقة الذكر ، والتغييب  ولكني لمحت ثلاثة رجال أشداء أقوياء يخرجون من البيت الذي تقام به الليله يحملون صينية كبيرة ممتلئة بقطع من اللحم الكبيرة ثم يمرون من أمام الصفوف، ويعطي من يوزع لكل شخص منها قطعه  عندما رأيت ذلك انطلقت كالسهم وفرقت بين إثنين وجلست بينهم وإذا بالرجل الذي يوزع يلقي إلي بقطعه أعتقد أنها بين الربع كيلو و النصف: تلقفتها بيدي ووضعتها في فمي مباشرة ثم بدأت معها  معركة بشهية وشغف شديد  ما بين، المضغ والطحن والبلع في تناغم ،وتناسق تام ببن تلك الوحدات الثلاث في نوبة غياب داخل قطعة اللحم،والتي هى  لا أروع ولا أشهي  ، دون إلاقتراب أو  التعامل مع الفته علي الإطلاق ، ثم غسلت يدى وكان سيد قد أقترب من استرداد وعيه أتفقت معه أن  أسبقه إلي  المقهي ثم يأتي هو بعد ذلك ،ولكن سيد لم يأتي إلي المقهي ؟؟ بعد إنتظار طويل ،وبعد أن هزمت عم محمد الذي تعرفت عليه أول أمس  في الطاولة التي أجيد لعبها  ثلاث عشرات ،ثم  عدت بعدها  لمكان الليله  لأعرف لماذا لم يأتي سيد فوجدت سيد ملقي علي الأرض يصرخ ويهذي ويعوى وسألت أحد العالمين العارفين ببواطن الأمور فقال لي: أصل ال عليه طلعوا وحضروا ..؟؟؟!!!!

هامش...
1_اعتقد أن يكون إسم" كويسكة" رومانى أو يونانى أطلق عليها خلال فترة الإحتلال لمصر...







Share To: