أصدر الباحثان بوحزمة رياض أحمد شوقي ومرزوق مداني كتابا تناولا فيه "التّنظيم القضائي في الجنوب الجزائري إبّان الاحتلال الفرنسي ما بين 1900 – 1954/منطقة بشار نموذجا"، وقد أوضحا الدّافع إلى ذلك، وحصراه في دافع موضوعي القصد منه "التعرّف على طبيعة القضاء الذي كان سائدا في الجنوب عموما وفي منطقة بشار خصوصا"، ودافع ذاتي القصد فيه الانتماء إلى منطقة الجنوب.

يذكران أنّه من بين الأسباب التي دفعت فرنسا إلى الاهتمام بالصّحراء الجزائرية، رحلات بعض الأوربيين منذ أواخر القرن الثامن عشر، والتي "رسّخت الاعتقاد بأهمية التجارة الصّحراوية".

اهتمّ المستعمر بالتوسّع العسكري في الصّحراء الجزائرية، فنجد الماريشال "سولت" قدّم تقريرا سنة 1845م إلى الملك لويس فيليب أكد على إنّه من الواجب أن تؤلف الصّحراء نمطا ثالثا من الجهات الإدارية مجسّدا في "النّظام العسكري"، الذي يختلف عن التّنظيم الإداري المدني في شمال الجزائر وعن نظام الحماية المطبّق في تونس والمغرب، وأقرّ وفق قانون 24 ديسمبر 1902م، ومن هذا أخضعت منطقة الجنوب إلى "منظومة قانونية وأحكام استثنائية والتي من بينها نظام القضاء".

كان من سياسية الاستعمار الفرنسي منذ البداية بلورة استراتيجية لفصل الصّحراء عن الشمال، لهذا أخضعتها للنّظام العسكري، والذي كان قمعيا وظالما في حق سكان الجنوب. ومما أوردته الدّراسة أنّ القضاء كان إسلاميا، وحصرته السّلطات الاستعمارية في الأحوال الشّخصية وقضاء الصلح، ومن ثمة أصدر الحاكم العام جونار مرسوما بتاريخ 1903م "يشترط على الحكومة العامة بالجزائر توظيف القضاة الحاصلين على شهادة التحكم في اللغة العربية والتشريعات الإسلامية"، وفي عام 1905م، صدر مرسوم "بتشكيل لجنة من رجال القانون برئاسة عميد كلية الحقوق الفرنسي مهمّتها إعداد مشروع تمهيدي لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية بغرض تشويه وتحريف هذه الشّريعة"، أي أنّ سياسة الاستعمار كان الهدف منها طمس معالم الشّخصية الوطنية وإخضاع الأهالي إلى نظام قانوني الهدف منه العمل على إيجاد الإنسان الذي له القابلية للانسلاخ من كل ما هو إنساني حتى تسهل السّيطرة عليه وبالتالي الاستيلاء على مقدرات أرضه وخيراتها.    

من القوانين الجائرة والظالمة ما سمّي بقانون "الأنديجينا" المتعلق بالأهالي، وهو عبارة عن نصوص تكرّس الميز العنصري والتفرقة بين الأوربي المتفوّق والسيّد والمسلم الجزائري الأقل مرتبة وصدر بقانون 28 /06/1881.

قسّمت المحاكم في الجنوب حسب القضاء الإسلامي إلى محاكم المذهب المالكي ومحاكم المذهب الإباضي. إنّ النّظام القضائي في الجنوب يختلف عن نظيره في الشمال ذا المنشأ المدني، ففي الجنوب كان النّظام عسكريا وبالتالي يخضع لقوانين استثنائية، وشمل القضاء الفرنسي في الجنوب: مجالس الحرب، اللجان الزجرية، القادة العسكريون ورؤساء الأهالي، أمّا ما يتعلق بالمؤسّسات القضائية في منطقة بشار فكانت تتكوّن من: اللجان التأديبية، المحاكم العسكرية والمحاكم الإسلامية، وتجدر الإشارة إلى أنّ القضاء قبل فترة تنظيمه من قبل السلطات الاستعمارية كان متمثلا في شيوخ القبائل والزّوايا، وكان تفكيك هذه المنظومة القانونية من أهم أولويات الاستعمار، وأسّست أول محكمة في "كولمب بشار" في 07/05/1907.

من أهم ما يخلص إليه الباحثيْن هو أنّ الموقع الاستراتيجي للصّحراء الجزائرية كان وراء إخضاعه للنّمط الإداري الثالث المتميز بعسكريته، والذي من خلاله أحكم المستعمِر قبضته على الصّحراء وشملها بالقمع، ووجود المحاكم الفرنسية مع الصّلاحيات الواسعة المخوّلة للحاكم العسكري دفعت المستعمِر لاستغلال الثروات وتقنين السّلب والسّرقة باسم القانون حيث أصبحت الغرامات مصدر ثراء بالنّسبة للقادة العسكريين، كما أنّ منظومة القضاء الفرنسي في الصّحراء والجزائر على العموم كانت من بين الأدوات لعزل الشّعب عن مقوّمات شخصيته الأصيلة وهي في هذه الحالة تفكيك منظومة القضاء الإسلامي.

ما يمكن تسجيله كملاحظات حول منهجية الكتابة التّاريخية في البحث، هو افتقاده للدّراسة المقارنة في المجال القانوني مثلا المقارنة بنظام الحماية المطبق من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية في المغرب وتونس، أيضا عدم التطرّق لفلسفة النّظام القانوني وعلاقته بسلوك المستعمر الخاص اتجاه الجزائر واعتبارها ملكية فرنسية وفقا لقانون 1834م، وعدم مناقشة الوثائق المرفقة بما يضفي على البحث العمق التحليلي. إضافة إلى أنّ هناك ملاحظات تتعلق بالشكل ونقص العناية بالإخراج الفني للكتاب، وإن كان هذا يعزى إلى الناشر، لكن متابعة العملية الإنجازية للكتاب تكون بالتواصل بين الطرفين مع التأكيد على تصوّر الكاتب.






Share To: