إن المتعمن في أبعاد و تركيبة العقل العربي من ناحية البنية الداخلية الكامنة فيه و بإرتباطه بمكوناته الحضارية من ضمنها تاريخه في السرد بكل أنواعه المقول و المكتوب و الشفاهي منه بالخصوص من القرن الرابع مع الهمذاني إلى الحكواتي في عصرنا . سيعلم أنه و بالضرورة  أن  السردُ رافق العقل العربي  عبر الأزمان كحكايات  خرافية، ثم كأساطير وأخبار وقصص، وصار كل إنسان حكّاء بالفطرة كنموذج أول يمكن أن يتطور بالموهبة والخبرة، إلى مرتبة أعلى هي السارد الذي هو النموذج الثاني الذي بإمكانه تلقف الفطرة وشحذها ليستقي منها التطور في نموذج ثالث يجتمع فيه السارد بالحكاء، مشكلا الوعي السردي الاحترافي .
ولأجل استكشاف هذه العلاقة بين السرد والعقل، قام ديفيد هيرمان باستعمال فكرة جعل العالم السردي بمثابة إطار تجريبي مركزي، معتمداً على رؤى وتبصرات نيلسون غودمان وريتشارد جيرج، وغيرهما من الفلاسفة، معتمدا في ذلك على البعد المرجعي للسرد وقدرته على استحضار عوالم بها يتمكن الروائي من السياحة في الخيال. ليكون صنع العالم هو السمة المميزة للخبرة السردية. أما وظيفة السرد الأساسية فتكمن في كيف تتشكل نقطة البداية للاستقصاء السردي والأدوات التحليلية الموظفة في خدمته. وبحسب هيرمان فإن منظري السرد اللسانيين والشكلانيين والبنيويين، أخفقوا في تأكيد أهمية التداخل بين العلم والسرد، بينما أعطوا الأهمية إلى التحليل الثنائي للإشارات اللغوية والدلالات والمكونات الهيكلية والمبادئ السيميائية مستبعدين المرجعيات.
و في هذا السياق ديفيد هيرمان في دراسته الموسومة (استكشاف بؤرة السرد والعقل) المنشورة ضمن كتاب لم يترجم الى اللغة العربية بعد هو «النظرية وتفسير السرد: النظرية السردية المفاهيم الأساسية والمناقشات النقدية» 2012 وبغيته من وراء ذلك التوصل إلى الكيفية التي بها توفر دراسة السرد الطرائق والموارد الأساسية لنمذجة العالم والإبداع.
يبدأ هيرمان دراسته بالتركيز على العالم السردي في دراسة العالم الواقعي باستخدام أنواع مختلفة من أنظمة الرموز (اللغة المكتوبة أو المنطوقة، الصور الثابتة أو المتحركة، أو تركيبات الصور اللفظية وغيرها) ودور السارد في المشاركة في صنع العوالم السردية، سواء كانت هذه العوالم خيالية أو غير خيالية، أو أنها خاضعة للتزوير والتزييف أم لا.
إن هيرمان من استلهامه الميتافيزيقي لفلسفتي لودفيج ويتغنشتاين، مفيدا منهما في التحليل والبحث عن طرائق التعبير في سياقات معينة، والمشاكل المفاهيمية الناجمة عن الإفراط في الإطلاق والتعميم أو القواعد المفروغ منها، التي بها يتم بحث الأسئلة وطرح مشاكل اللغة.
وما يسعى هيرمان إلى بلوغه هو، إعادة توجيه النظرية السردية حول مسائل صناعة العالم من خلال وضع القصص في منطقة تعالق السرد بالعقل، معيدا بذلك صياغة المخططات التجريبية الحالية لدراسة السرد، أو بالأحرى التحول إلى وجهة نظر بديلة، يمكن من خلالها مسح «القواعد» الأساسية لهذه المخططات من جديد. وعن ذلك يقول هيرمان: (إن إسهاماتي ليست مصممة لتخدم أغراض السرد، من خلال اقتراح الكيفية التي بها يتم التركيز على تحويل العالم إلى استراتيجيات إنتاجية لدراسة القصص حسب؛ بل أيضا الأغراض المتعلقة باستخدام هذا التركيز نفسه لإعادة تقييم المصطلحات التي صيغت بها الأسئلة المتعلقة بالسرد حتى الآن).

وطبقاً لنظرية هيرمان فإن السرد يستلزم التحقق من نوعين مختلفين من الأفعال: الأول استدلالات يثيرها فعل من الأفعال الكاذبة، والآخر تسلسلات الافعال التي يتم القيام بها على الحقيقة والإطلاق، فيكون التحقيق السردي مستندا إلى وجهة نظر ذهنية في ممارسة سرد القصص.

ومن أمثلة هذا التركيز مراجعته قواعد الأسئلة حول السرد القائم على مفهوم المحاكاة، رافضا تقييدها بأفق ضيق بوصفها تقليدا أو استنساخا.. وهو ما يجعلها أداة واهية في التعبير الثقافي والتمثيل المباشر للعالم، فلا مواجهة مكشوفة مع الواقع ولا توسط في النماذج العالمية.
إن المحاكاة بالنسبة لهيرمان هي جزء من مجموعة من الاستراتيجيات بها تصنع هذه النماذج العالمية بلا معيار، أو محك يقيس بموجبه القصص «المضادة»، 
إن العقل العربي يبقى عاجزا عن اكتشاف الحقيقي مادام عقله سرديا و وعيه محصور في النقل و الرواية .





Share To: