تمهيد :

إن ٱلدّهْشَةَ مَبْعَث ٱلْبوح يتسَلّقها ٱلْمبدع ليبدع نصوصه وأشعاره ..لا يُرتّبُ معها موعدا تأتيه طواعية ..
إن ٱلدٌهشة مَيْسم ٱلْخلق ٱلْإبداعي عند ٱلشّاعر " سامح درويش"..يُشيِّد بناءه ٱلشّعْرِي في كنفها ..ينطلقُ بكل حريةٍ، يُناجِي مكونات ٱلطّبيعة وٱلْوجود..يسْرحُ في ٱلْوديان وٱلْحُقُول.. يهيمُ بٱلتقاطِ مساحات ٱلْجمال ..يقبضُ على ٱللّحظات ٱلذَّهْلى بكُلِّ عِشْقٍ وحُبٍّ فيبدأُ ٱلْعزف على قيثارة ٱلرُّوح وتنسابُ موسيقاها تدغدغُ ٱلْعُشبَ وتوزعُ ٱلْفرحَ على كلّ ٱلْكائنات.


يُشْرِعُ نوافذهُ ويستقْبِلُ ندَى ٱلصّباحات، يرنو للشّمسِ وهي تُوَزّعُ خيوطها ويتابعُ ٱلرّحلة.
يصّاعد ٱلسّماء يلتقي بٱلْملائكة ويعودُ للأرض لِينشُرَ ٱلضّياءَ.

ينْحَتُ نُصوصهُ بِكُلِّ حُبِّ وتفرُّدٍ فيَهَبُ ٱلدّفقات ٱلشّعْرية صورا جميلةً تشدُّ ٱلْقارئ وتخطفه.

1. سامح درويش../
خنافيس مُضيئة 

لنْ أتوقفَ عند عتبةِ ٱلْعنوان " خنافيس مضيئة" ؛ ٱلذي جاء مركبا وصفيا ( صفة وموصوف)؛ بل سألجُ عالم هاته ٱلْخنافيس ٱلْمُضيئة لأكتشفَ عوالمها ٱلْفريدة ٱلتي ماتزال مُدلهمة غامضة تحتاجُ للإضاءة وٱلْكشفِ.

يُباغثُكَ ٱلْعنوان/ ٱلْإهداء: 

إلى وادي زا من ٱلْمنبع إلى ٱلْمصبِّ؛فقراءة عجلى في ٱلْإهداءِ تُحيلُكَ على كوْنِ ٱلْكاتب سينقُلنا إلى وقائع أو مشاهد فضاؤها ٱلرّئيس : " وادي زا"، فكيف ستكونُ ٱلرّحلةُ عبر هذا ٱلْوادي مادامت ستستغرقُ زمن ٱلْمنبعِ وٱلْمصبِّ..
وكيف سيكُونُ ٱلْإيقاعُ وٱلْإنسِيابُ ٱلْإبْداعي في هذا ٱلْمُنْجزِ ٱلْإبداعي..؟!.
 إنّ " سامح درويش" في معرض حديثه عن ٱلْهايكُو جسَّدَهُ في قولهِ: " إنّهُ بٱلنِّسبةِ لي أشبهُ مَا يكُونُ بٱلْتماعةِ عَيْنَيْ قطٍّ فِي ٱلظّلامِ"، وكأنّ به يقول : 
هو ذاك ٱلشُّعَاعُ وٱلنّزْرُ من ٱلضَّوْءِ ٱلْمُنْفَلتِ من أَسْرِ ٱلظَّلامِ ..فهلْ سَتكشِفُ " ٱلْهايكوات" ٱلْمَنحوتةِ في "خنافيس مُضيئة*" و"برشاقة أكروبات**" عن هاتهِ ٱلْالتماعة ٱلْمُنبثِقةِ من نورٍ.

يا للْبَهٍجَةِ ٱلْغادرةِ،
بِقَفْزَةٍ خاطِئةٍ 
تقعُ ٱلسَّمكةَ خارجَ ٱلْماءِ

من عالمِ ٱلدَّهْشَةِ يُمْسِكُ ٱلشّاعرُ بجَمالية ٱلْمَشْهدِ، فيجْعَلُكَ تعيشُ ٱلتَّشْويقَ وَيُنَمِّي فيكَ حسّ ٱلتَّساؤل وَرَسمِ أفقٍ قد يتَحَقَّقُ وقد يَخِيبُ عندَ ٱنتهاء مشهد ٱلْهايكُو.
في ٱلسَّطرِ  ٱلثّالث قد يبْدُو لك ٱلْمشْهدَ واقعيا، لكن ٱلتَّأمُّل يأخذُكَ بعيداً ويجعلُكَ تُعيدُ تشْيِيدَ ٱلْمَشْهدَ وبينَ فعل ٱلتَّشيبدِ وٱلْهَدْمِ وٱلتَّفْكيكِ يَكُونُ ٱلْمَعْنى وتحَقُّق ٱلدّلالة ٱلْمَنشودةِ ٱلّتي يَتَوَخَّاها ٱلْمُبدع / ٱلْهايكيست، وقد يكُونُ ٱلتّفاعلُ مع ٱلشَّذْرةِ عينُها مولدَ شذرة / هايكو آخر من توقيعِ ٱلْمُتَلقّي.
وردَ في ٱلصفحة 17 ما يلي:

هَاتفي يَنِقُّ 
ضِفْدَعْ ٱلْوادِي وقلبي 
كِلاهُمَا يَنِطُّ

يَحْضُرُ مُعْجَمُ ٱلطّبيعةِ في هذا ٱلْهايكُو بجلاءٍ : ( ٱلضِّفدع- ٱلْوادي )؛ وسُرعان ما يُسْقطُ صوت ٱلْهاتف بٱعتبارِهِ ينتمي لِحَقْلٍ مُغَايِرٍ على نَبْضِ ٱلْقلبِ فَيستغْرِقُكَ ٱلْهايْكُو وتُحَاولُ أنْ تُجَسِّدَهُ وتنقلَهُ من حالتهِ ٱلْخَطِّية ٱلْمَكْتُوبَةِ إلى واقعٍ بَصَرِيٍّ 

دوما نبقى في خنافيس مُضيئة 
ص 35 

سطْحُ بَيْتِنَا ٱلْقَدِيمْ،
منْ جِدَارِ بَهْجَتِي 
تَنْمُو ٱلْآن هَذِي ٱلْأَعْشَابُ

ص 38 

فِي عِزِّ ٱلنَّهَارِ
هَاهيَ بِصَرِيرِهَا دَاخِلِي 
تُؤْنِسُنِي ٱلْجَدَاجِدُ

يلتقِطُ " سامح درويش" ٱلذبذبات وٱلْأصْوات وٱلْمَشاهد بِعَيْنِ ٱلرّائي ٱلّذي يَغُوصُ عَمِيقاً ليلتقِطَ ٱلدُّرر ٱلْكامنة ويبْعثُ فيها ٱلْحَياة، ومن ثَمَّةَ فهو يَرْتَقِي في نَحْتِ عوالم  ٱلْفَنِّ وٱلْجمالِ وٱلْإبْدَاعِ بٱلْاعتمادِ على آفاقِ ٱلْخَيالِ ٱلرَّحْبَةِ ٱلْفسِيحةِ وهذا لا يتأتّى لأَيِّ مُبْـدِعٍ.

إنَّهُ زورقٌِ إبْداعِـيٌّ ينقُلنا إلى عوالم ٱلْهايكيست لِنَعيشَ معهُ رِحْلَتهُ عبرَ وادي "صاع" من ٱلْمنبع إلى ٱلْمَصَبِّ.

إِنَّ تجارِبَ " سامح درويش"؛ تجدُ أَسَاساً لهَا فِي ٱلذّاتِ ٱلتي تشبتت بٱنطباعات ٱلْمُحِيطِ وٱلْوُجُودِ لِتَنْكتِبَ أشعار " هايكو" مُتمَرّدٍ ومُنْفَلِتٍ مِن كلِّ قالبٍ وَشَكْلٍ فني من شأنهِ أن يُمارسَ رَقَابتَهُ على ٱلذّاتِ ٱلْمُبْدِعةِ.
يُومِئُ ٱلشّاعِرُ إلى أنّ بداية ٱحتكاكه بشعرِ ٱلْهايكُو كانت من وحْيِ ٱلصُّورةِ ٱلْفوتوغرافية للهايكيست " بَكّاي كطباش".

شَيءٌ ما يحدثُ هُنَـاكَ
أنا وحِصَانِـي
ننْظُرُ في ذاتِ ٱلْاتّجَاه

وهي صورةٌ منحوتة عن ٱلْواقعِ؛ ففي ٱلْغالبِ يرتبكُ ٱلْحصان وقد يتحرك إذا ما أحَسَّ بٱلْخَطَر.
إنّ ٱلرُّؤية ٱلتي يختزلُها ٱلْهايكيست " سامح درويش" تنِمُّ  عن كَوْنهِ قد تشَبّعَ بمبادئِ ٱلْهايكو ٱلْأصلي وتشَرّبَ أُسُسَهُ ومن ثمّةَ بدأ يَمْتَحُ وينحتُ شذراته/ هايكواته ٱنطلاقا من بيئته ومُحِيطهِ ومُجْتَمَعِهِ.
وبٱنفتاحنا على تجربة "برشاقةِ أكروبات" يتدفّقُ مِدَادُ ٱلرّوح لِيَشْتعلَ مصابيح مُضِيئة بألوان ٱلْإبْداع في رشاقة  أكروبات؛ إذ يحتفي ٱلْهايكيست " سامح" بقلق ٱلْكتابة فيحفرُ وينبشُ عَمِيقاً في ذاتهِ ويكتبُ بكلِّ إحْسَاسٍ فيتقَمّصُ دور ٱلنعامة ٱلْهَاربةِ من وُحوُشِ ٱلسّماء.

يقول في ص 4 من رشاقة أكروبات:

أكتُبُ بإحساس نعامة،
أَدْفُنُ رَأْسِي في كَثِيب شِعْر
وهذا أَيْضاً منْ حَقِّي،

خريطَةُ ٱلشاعر غوْصٌ في عالمِ ٱلْوُجُودِ وٱلْمَوْجُودات..تغزُّلٌ بٱلْجمالِ ٱلْكامنِ ٱلْخَفِيِّ ٱلّذي يحتاجُ لإحْساسٍ مُغايرٍ لكيْ يَكْتشِفَ ذاتهُ وكُنْهَهُ فيستأْثرُ بٱلْفرَحِ ٱلْمُنبثِقِ من ٱلْعتمات وهذا ما يتبَدَّى في هايكو "بقلب مُغمضٍ"،  ص .5.


أكتبُ مَعْصُوبَ ٱلْأحاسيس..

إلى قوله :
وبثُّ أشبهُ بكهف بارد
أتزَيَّنُ بخَثْرةِ ٱلْوحشات 
وٱلْعتمات

يَبْعَثُ ٱلشّاعرُ في ٱلْجمادات وٱلْأشياء ٱلْحياة ويرسمُ صورا ولوحاتٍ باسمةٍ بلغة ٱلْحُبِّ.

يقول في : " بِمُسَدّسٍ فقاقيع مُلَوّن"
أكتبُ في  ٱلْهواء بِمُسَدّسِ فقاقيع مُلَوّن 
وحذاء رياضي يُضيءُ وَيُزَمّرُ
إلى أن يقول:
فلا تُصدّقُوا أثر ٱلزّمان دَوْماً،
وَصَدّقوا فقَاقيعي  أحْياناً وَضَوْءَ حِذَائِي
أورد في إلصفحة 8 من ذات ٱلشذرة: 
طلقاتي قُبُلاتي وَقَصْفِي ٱلضّحكات،
لا يَفَلُّ ٱلْحديدَ إلاَّ ٱلْحُبُّ
وإنّها لحربّ حتّى نَسْقُطَ فِي سَاحَةِ ٱلْحُبِّ 
أجْمعينَا
يكتب " سامح درويش" بِحِبِلّةِ وَدُونَ ترتيبٍ مُسْبقٍ 
في غَفْلةٍ مِنّي 
أَكْتُبُ فِي غَفلةٍ مِنِّي،
لِكَيْلاَ أُعَكِّرَ مِزَاجَ ٱلْقصيدةِ بٱسْتعارةٍ فاسدة
ومجازٍ منتهي ٱلصّلاحية.
لِكَيْلاَ أُلَوِّثَ مَجْرَى ٱلْفِطْرةِ فِي ٱلْكلماتِ
إلى أن يقول في ذات ٱلشّذرةِ ٱلْهاربةِ وٱلْمُنفلتَةِ من ٱلتّصَنُّعِ ص 10 :

أكتبُ في غَفْلةٍ مِنّي،
لِكَيْلاَ أُحَرّفَ مَشِيئَةَ ٱلْأشْياءِ،
ولا أَخْدُشُ بِإِدْرَاكِي سَلائِقَ ٱلْكائنات،

إنّهُ ٱلشّاعر يخرقُ ٱلْأفق ٱلْجمالي  للكتابة فيمنحُها أبعاداً وزوايا ويبعثُها كدخيرةٍ حيّةٍ في قوله:
أكتُبُ بٱلدّخيرةِ ٱلْحَيّةِ 
ومنْ غيرِ ذِرْعٍ يَقِي كَلماتي ٱلْجميلةِ من ٱلْقُبْح،
أنا ٱلْفِدائي ٱلذي رأى ٱلنُّور على أرض ٱلْمجاز ص15 من " برشاقةِ أكروبات".

ينتقلُ ٱلشاعر سامح درويش بين ٱلْبراري وٱلْحقول وهو يكتبُ وينْكَتِبُ في حضْرتهَا فَييْنعُ قلبهُ ويسحبُنا معهُ لنلِجَ عالم ٱلْجِراحةِ وهذا مايتبَدَّى من خلالِ ٱلْمُعْجمِ ٱلذي ٱعتمدهُ : ( ٱلطّبيب،ٱلْبنج،شاشة ٱلْكشف،ٱلْكِمامة ٱلْبيضاء، ٱلْمشرط...).

بقلبه ٱلْمفتوح ٱلْمُهيّإ للموتِ بقلب مكتوب 
في حضْرَةِ ٱلْجَرّاحةِ.
يحضُرُ عنوان ٱلْكتاب في ٱلْومضات ٱلْموسومة بعنوان:" برشاقةِ أكروبات" في ص 33؛ إذ ٱلتّصريح بٱلْحدثِ وٱلْفعلِ يكشفهُ هذا ٱلنّص، 


فٱلْحدثُ هو فعل ٱلْكتابة ٱلّذي تُمارسُهُ ٱلذّات ٱلْكاتبة برشاقةِ أكروبات.
إنّ دهشةَ ٱلْكتابة تجعلُكَ تحلُّ في ٱلْأزمنةِ وٱلْأمكنة وٱلْأشياء فتلبسُهُ ويلبسُها فيكُونُ ٱلْحلولُ مُكْتملاً  في ذات ٱلْبهلوان، وهذا ماتكشفهُ ٱلْعبارات ٱلْآتية لسامح درويش في ص 34 من ٱلْومضةِ ٱلْمُعنونةِ برشاقةِ أكروبات ص34 .

مثل كائِنٍ من ٱلْعِلْكِ
أَمْشِي عَلَى حَبْلِ ٱلْمَجازِ بِكُلِّ ٱتّزانٍ
سِيَّانَ،عنْدِيَّ ٱلْآن سيّان
أنْ يُقَالَ هذا شاعرٌ أمْ ..بَهْلَوَان

تسْعُلُ ٱلْكلمات مجازاً وهي تنكَتِبُ بِإصْرار عاملٍ بِمَنْجَمٍ للْفَحْمِ ..فجميلٌ هذا ٱلتّوْصِيف وهاتهِ ٱلْاستعارات.

فلا يَعْجَبَنَّ لِأَمْرِي منْكُمْ أحدٌ
إنْ كَانَ سَيَسْمَعُ حَشْرَجَةً في رنات 
ٱلْكلمات
أو كان سَيَسْمَعُ لِلْمَجازِ سُعالاً
لِأَنَّ قَصِيدتي حَتْماً سَتُصَابُ في 
ٱلنِّهَاية بٱلسّيلكوز

يا لَلْقَصْفِ ٱلْحافلِ بٱلْحُبِّ،بٱلسّلامِ، ٱلذي يتَوَكَّأُ على روحِ مَيّالةٍ لإبادَةِ عساكرِ ٱلْحِقْدِ بِلاَ هَوَاذَةٍ.

كيف للصّواريخ يحمل بأحلام ٱلسّلام ؟!.
هو نسيج ٱلْكلمات ٱلْمُطرّزةِ بٱلْحُبِّ وٱلْوئامِ يحْفرُها ٱلشاعر بكُلِّ كلفٍ ص " 38" كما لو أنّني في حرب.

دُونما مُبالغةٍ إنّه شاعر ٱلْفِطرةِ ينحَتُ ٱلْمعاني ٱلدُّرر من توصيفِ ٱلْجماداتِ وٱلْأشياءِ فيجعلُ ٱلْقارئ / ٱلْمُتلقّي يعيشُ ٱلْحَيْرةَ وٱلذُّهولَ.

من دهْشةِ ٱلْفضاءِ ٱلْمكاني ٱلّذي تؤثثهُ ٱلطّبيعة بكلِّ جزئياتها إلى نبْضِ ٱلْقلبِ وعالمِ ٱلْفراشاتِ وغرائزها بمَا هيَ إيحاءاتٌ على ٱلْحُبِّ وٱلْعِشْقِ ..إذْ يركبُ " سامح درويش" زورقَ ٱلْاعترافِ بٱلْعِشْقِ ٱلّذي ٱنْكتبَ ونُعُومة أَشْعَارهِ يقول بهذا ٱلصَّدد ص 47:

 بعيد نقط ٱلْحذف ...

أرسمُ دفْقَ ٱلْأماني،
في شكلِ شُمُوسٍ وأقمارٍ.
وأحفرُ قلبي خِلْسةً على مَقْعَدِ ٱلدَّرْسِ
عَسَى أنْ تَسْمَعَ ٱلْحَبيبة نَبْضِي عَلَى ٱلْخَشَبِ

استنتاج:

يَكْتُبُ ٱلشّاعر بتفَرُّدٍ، يتماهى مع ٱلْحَرْفِ ..ينسى أناملهُ على ٱلْورق، يحفرُ بأريجِ ٱلرُّوحِ لوحات مُغايرةٍ تركلُ مسافات زمنِ ٱلتّشَظّي وٱلْقُبْحِ.
يكتبُ فيتخلُصُ وينعتقُ من كلّ ٱلْأغلال وٱلْقُيُودِ ويتَعَطّرُ  بِعِطْرِ ٱلْعَفْوية وٱلتِّلْقائيةِ..لاَ يُرَتِّبُ موعدا مُسبقاً مع فعل ٱلْكتابة وٱلْانكتابِ؛ فيجعلُ ٱلمتلقين ذاهلين في حضْرةِ ٱلْحَرْفِ.
وهنا، أجدني أقول : 
مرحى برشاقةِ أكروبات* وبشطحات ٱلدرويش** وبخنافيس مضيئة***؛ هاته ٱلْارتشافات ٱلْمُتفردة ٱلْأَنِيقَةِ ٱلتي كُلّما قرأتها إلاّ وأحسستُ بٱلدَّهْشَةِ وٱللّذةِ/ لذّة ٱلٍكتابة.

لا أجسرُ إلاّ أنْ أتوقّفَ كل حينٍ وأرتشف عذب ٱلْمعاني وأتزوَّدُ ببعض ٱلرّحيق وأمُرُّ على ٱلنّبعِ وأقطِفُ وأحفنُ حفنات جمالٍ فتّانٍ.

أنتم أيضاً أنْصِتُوا لِعِطْرِ ٱلدّهشةِ وهي تنكتبُ في ص 69 في ٱلشّذرةِ ٱلْإبداعية ٱلٍموسومة بـ: "بدهشةِ ٱلْكائنات".

أكتُبُ بِدَهْشَةِ ٱلْكائنات،
بِفِطْرَةِ ٱلْأَشْياءِ،
أجمعُ نَحْلاً ورُعّاشاتٍ صغيرةً  وتِرْبْسَاتٍ،
كيْ أكتُبَ رسائل حُبٍّ ..ص 70.

هو ٱلْمبدعُ يسْتدرِجُنا كما ٱستَدْرَجَ ٱلْأَمْواجَ وٱلرّياح وٱلشّمْسَ وٱلسّحاب وٱلْقمر ليكتُبَ مَدّهُ وَجَزْرَهُ في قصيدَةٍ عذراء مُضَمّخَةً  كما ألمعتُ بٱلذُّهُولِ وٱلدَّهْشَـةِ.
مُزَنّرٌ هو ٱلشّاعر / ٱلْمبدعُ ببهاءِ ٱلْكلماتِ ..يُدَبّجُ من نَبْضِهِ ٱلرّاقي أَبْهَى ٱللّوحات ..يُوَزّعُ حيْرَتَهُ ٱلذَّهْلَى هُنا ..هُناكَ ص 57  (( برشاقةِ أكروبات)).
يقول :

أنا ٱلْفَلَكِيُّ ٱلْمُزَنَّرُ بٱلْمجازِ ...
وبٱنتقالنا للشّطحات (( كتاب شطحات ٱلدّرويش)) نرتادُ عالم ٱلْمتصَوّف؛ حيْثُ ٱلْحلول وٱلتّجلي وٱلْوصل وٱلْارتقاء في مدَارجِ  وأوراد ٱلسّناءِ و ٱلْارتحالُ في مقاماتٍ عرفانية.
وسأختم بهذا النبض ٱلموسوم بـ" غَشاوة" ص، 61 من كتاب شطحات ٱلدّرويش.

من بين أصابعِ ٱلشَّوْقِ
أصَّاعَدُ نَغَماً إلَيْـكِ
..

ٱلْعبارةُ حقّاً تَضيقُ
فَهَا أَنَا بِلاَ لُغَةٍ 
أُفَسّرُ ٱلْآنَ لمعَ ٱلْيقينِ
وَ أَفْنَى
بِأَقْباسِ ٱلْإشارةِ

وصفوةُ دَهْشَتِي وحيرتي أن ٱلشّاعر " سامح درويش" يعْزِفُ عزفَهُ ٱلْمُتفَرّد فتكون سمفونية ٱلطّبيعة وٱلذّات ٱلشّاعرة شاهدةً على لحْظةِ ٱلْولادَةِ وٱلْحياةِ وشهقة ٱلْكلمات وٱلْمُفردات ٱلتي تخلّصت من حمولاتها ٱلْمعرُوفة لِتَلبسَ لباساً قَشيباً من إبداع ٱلْهايكيست ..مما يحفّزُنا لنُبحر معه في عوالمه ٱلشّعرية ٱلْمُدهشةِ مُحاوِلينَ ٱسْتِكْناه مَرامي ٱلنّحتِ بٱلْكلماتِ ..عابرينَ عرصات ٱلْحقيقةِ وٱلْمجازِ وَدَهْشةِ ٱلرُّمُوزِ.

إنّها ٱلْكتابة ولادةٌ من رحِمِ ٱلدّهشةِ ..صهيلٌ بديعٌ في وجْهِ ٱلْاعتياديةِ.
هي دونما ترتيب أجراس ٱلْجبلة ٱلْأولى تقرعُ أسماعَ أرواحنا ونحن نعانقُ عوالم ٱلْإبداع عند سامح درويش،إذ يختلط خرير ٱلْمياه بحفيف ٱلْأشجار بشدوِ ٱلْعصافير، وسرعان مايجرفنا وداي زا لننغمسَ في بعض تجليات ٱلمدنية وٱلْحضارة ..

ٱستنتاجات:
يكتبُ سامح بألوان ٱلْحياة؛ وكأنه عازف قيثارةٍ لا يكلُّ من ٱلْعزفِ ..تستغرقك سُطُورهُ سطرا سطراً فنحاولُ ٱلْإنصاتَ بكلِّ في جوارحنا لنسبُرَ أغوار عوالمه وكيمياءات حُروفهِ.
إنّهُ مايزالُ هائما في ٱلْوجود يبحثُ عن لغةٍ تأويهِ من ٱلشُّرود وٱلْاغتراب.
يقول:
هنا 
في هذه ٱلْأعالي 
أرضعُ من ثدي غيمةٍ شاردة 
وأعوي مثل ذئب 
حتّى أعثرَ يوماً ما على لُغتي
مايزال ٱلشاعر يناوشُ ببراءة ٱلطّفل عيون ٱلدهشة لا يتعب ولايكلّ هو من مناوراته وشَغَبِه..
يقول :

ٱلشّعر طفلٌ 
كل مرّة 
يقرعُ جرس ٱلْباب ويهرب ..
يطرق هو صور ٱلدّهشة لا يكتفي أبدا ..
وأقول أنا :
" إنّ ٱلشّاعرَ طفْلٌ
 يجَرّبُ ٱللّعب وٱلْانتشاء،
يرغب في ٱكتشاف ٱلْأشياء..

وفي مجموعته ٱلشعرية "عصافير تحلّقُ في ٱلْأعماق" / مجموعة هايكو 
يقول :

كم في خاطري ٱلْآن 
أن أُرَكّبَ جملة
بٱلْعصافير.
ويقر ٱلشاعر بعطشه ٱلدائم ..

لتذهب ٱلْأنهار
للغرق في ٱلْبحر
أما أنا 
فقد حكمت علي
تضاريس هذا ٱلشّعر
أن أجري عاريا
بلا ضفتين
كما ولدتني ٱلْمنابع
أول مرة
وأن أغرق قطرة قطرة 
في ٱلصًحراء

أنا ٱلنّهر ٱلذي 
أفرط في صناعة ٱلرمل
أنا ٱلْماء
ٱلذي يموت ٱلْآن من ٱلْعطش.

.............................................
إضـاءات : 

- سامح درويش شاعر مغربي من مواليد ݣفايت / إقليم جرادة.المغرب.
من أعماله: 
" هباء خاص" : مجموعة قصصية سنة 1999
- " ألواح خنساسا" : رواية سنة 2004.
- " ٱلْقهقهات": ديوان شعر من منشورات وزارة الثقافة سنة 2010.
- " مراتيج باب البحر": ديوان مشترك مع شعراء عرب/ تونس 2009.
- "كتاب شطحات الدرويش": شعر- 2015.
- " برشاقة أكروبات" - شعر- 2015
- " خنافيس مضيئة" - مجموعة هايكو- 2015.
- ديوان " ما أكثرني.." 2018.
- " عصافير تحلقُ في ٱلْأعماق"، مجموعة هايكو / 2019.













Share To: