كانا أقرب لبعضهما البعض من التوأم، فالتوأم يشتركان في رحلة النزول إلى الدنيا ويقتسمان بضعا من الملامح، أما هما فروح واحدة بجسدين، هكذا كان يقول له وهو يستعد ليستجيب لطلباته!

لم يكن سعيد يرغب في أن يسمع كل تلك المبالغة في التشبيه، ليس من قبيل رميه بالنفاق، ولكنه تذكر ذلك اليوم الذي رمقاها سويا بنظرة خاطفة، وهي تدخل أول مرة القسم، فالحب قد يفرق بين التوأم، فكيف الحال مع ما هو فوق التوأم؟

ومذ قالت له انتما نسخة طبق الأصل إلا في جزئية واحدة، من يومها، راح سعيد لا يفتح كتابا، إلا تاه في دفته عن مضمون نصه، بحثا بداخله عما يختلف فيه حميد عنه، وهل تراها قالت ذات الملاحظة؟

استحال حميد لديه إلى مرآة متحركة، حتى شك الفتى في تصرف توأم عقله، لأن المصيبة ستكون كبيرة أن حدث لعقله شيئا، فكل الدرسات التي أجراها النازيون عن التوأم وهو يعذبونهم كل على حدى، أثبتت أن هما مرتبطان في الحس والحدس! يوم قالها أستاذ الفلسفة، بكت الفتيات وفرحا هما بالخلاصة النازية!

-أراك تنظر إلي بإفراط هل تراك تعتقد أني أخبئ عنك شيئا؟

ارتج سعيد واهتز من سؤال توأمه، كأنه يذكره بذلك الموقف الوحيد، الذي اختلافا فيه يوم توزيع نقاط الفحص المدرسي، كانا في العادة يحصدان ذات العلامة، لأنهما ببساطة يدرسان دوما في غرفة بمبنى الداخلية بالثانوية الذي التحقا به مذ بدأت الحرب الأهلية، وينجزان ذات التمرين وبذات الطريقة فيفترقان للنوم وقد اقتسما محصول ذكاء بالقسطاس بينهما! فمن أين أتى حميد بذلك النصف من النقطة الزائد على العلامة؟

- لا أبدا ولكني أراك قد غيرت تسريحة شعرك، وصرت من فترة قصيرة تفتح أزرار قميصك العلوية وتكشف عن شعيرات صدرك التي تزيد عما بصدري؟

- ماذا تريد أن تقول بكلمة من فترة قصيرة؟ إذا كنت تقصد مذ التحقت بالقسم دلال فأنت مخطئ.

- صحيح، رأيتكما أمس تتحدثان واقفين بمخرج الثانوية، مالذي دار بينكما؟

- ليس قبل أن تخبرني أنت أيضا بما دار بينكما في وقفتكما أول أمس؟

- لا شيء، مدحت علاقتنا الوطيدة، وقالت لي فرق بسيط فيها هو يدكما تختلفان!

- غريب؟

- وما وجه الغربة؟

- أنا أيضا قالت لي ذات الكلام!

ساءه انفجار حميد بالضحك العالي، وهو يخبره، منطقي أن تقول لك ذلك، لأن وجه الشبه مشترك.

من يومها راح يتبدر ويتأمل كثيرا يد توأمه، باحثا فيما يتضدادان وفيما يلتقيان حتى، قبلا! 

 أمسك حميد على عادته القديمة بالمبادرة بالمرور على سعيد للذهاب سويا إلى الدراسة، حتى يبادر هذا الآخر فيرى هيأته وملبسه فيتحلى بمثلها، كونهما يتسوقات معا ويقتينيان ذات الالبسة وذات المستحضرات والعطور..

وهما يمضيان بدا سعيد غير مستوعب تغير توأمه، بات كلما يسأله شيئا يقول له لو كان عندي ما اقتسمته معك بل اعطيكه كاملا، ليلة البارحة سأله كتابا إستعارة ثم دنانير اقتراضا فتحجج على غير عوائده بعدم امتلكهما وقتها.

انتظره في منتصف الطريق وهو يقتني الجريدة، وحين عاد أشركه في تفحص صفحتها الأولى وهو يشير إلى عنوان بالبنط العريض عن مخاطر الالغام التي باتت تستهدف المدنيين، كان أصبع حميد يتبع لسانه على نص الخبر بصفحة الجريدة وعين سعيد تتبع اصبع ويد حميد وسمعه مدويا بملاحظة دلال يدك تشبه يده، تسلق بناظره العروق الناتئة على ظهر يد صاحبه ووزن سهوب الشعيرات التي تكسوه، قاس طول أظافره، قبل أن يشده الخاتم الفضي المصقل بماء لماع براق، تساءل ساعتئذ كيف نسي هذا؟

فجأة دوى صوت راعد، فرق فيما بين التوأم، زحف سعيد صوب حميد وجده جثة بيد واحدة غارقا في دمه، شعور غريب انتابه، والناس من حوله يحالون الامساك به وتثيبيته حتى لا يقافم من جروحه..

هل انتهى التوأم؟ أي اليدين تشباهتا في أعين دلال، ظهرت اليد المبتورة والدم قد ضمخ الخاتم الفضي الأنيق، تلعثم خجلا من أن يطلب الخاتم “لا ارث فيما بين التوأم الروح” ولا غنيمة لأننا لم نكن في حرب”

استدار إلى الخلف حيث تنوح دلال بدموع جارية، تمسك بكتب حميد التي أعارها إياها وربطة النقود التي أقرها أيها مذ حلت بالثانوية:

- كان كريما ويداه مبسوطتان!

وواصلت البكاء..

اترعب حميد وأنار المصباح، بعد أن أزاح عنه بسرعة الغطاء، وحمة المشهد قد أغرقت بدنه في السرير حتى استحال إلى حوض حمام عائم بالعرق..

ألتفت إلى جنبه في غرفة الداخلية بالثانوية، فوجد حميد يغط في نومه مغطيا وجهه بكف يسراه يسطع منه خاتمه الفضي اللماع، نزع عن أذنيه سماعة هاته النقال وأغنية “دلال بين قلبين” تعاد للمرة العشرين على مسمع حلمه على وقع الساكسون بصوت ليلي، رقيق وخافت، ربط الهاتف بالشاحن الكهربائي، وأعاد إطفاء مصباح طاولة السرير ثم استلقى مجددا على وسادته متما نومه. 

 








Share To: