للعنوان الأثر الكبير على المتلقي فهو المستهل الأول الذي يدخل من خلاله المؤلف ليقتحم المنظومات الوجدانية للمتلقي ، ونحن هنا نشيد بالعنوان .. وبما أن العنوان كان مدخلا لولوجنا بهذا المؤلف كان علينا أن ندخل لنرى ما الذي تحت طيات هذا العنوان، وكيف ولدت هذه الكلمات وما هي الأسباب لولادتها وهل كانت ولادتها من دون رتوش أو تأنٍ ، فالكلمات حينما تخضع للمنظومات العقلية تختلف عن التي تولد من المنظومات القلبية ..
الكتاب عبارة عن مجموعة من النصوص النثرية والومضات القصيرة، ولابد من ذكر أن الومضات من أصعب الفنون الأدبية الحديثة لأنها تحتاج التركيز والتكثيف والقوة اللغوية الخارقة المشروطة بالاختزال المجدي والمؤثر وعملية الاختزال تحتاج بارعا متمرسا في كيفية الوصول للهدف
وقد يظن الكثيرون أن عالم الومضة مجرد تعبير ينتاب الكاتب فيجسده لا غير وهذا مخالف لعالم الومضة ...
خولة عبيد .. كتبت نصوصا نثرية جسدت من خلالها العديد من المواقف الحياتية التي مرت بها وقد رأينا ذلك واضحا في نصوصها لأن الطابع القصصي غلب على كتاباتها وبكثرة ..
وقد كتبت الكثير من الواقع .. للأب والأم والابن والصديق وما يمر بها من مواقف حياتية وظهر جليا طابع الوصف على نصوصها .. ولم تنس الوطن وما يمر به من محن ومآسٍ حوّلت فيه الحياة من الجمال إلى البؤس ، وحين التمعن فيما كتبت ستجد السجع الذي ساد على بعض كتاباتها وكأنها توقعت عليه مما يوهم القارئ أن النصوص ذات جرس موسيقي موزون وهذا خلاف النصوص الموزونة في شعر العامود والتفعيلة بل وحتى خلاف النصوص النثرية ممن أطلق عليها مسمى قصيدة وهي محط خلاف بين الأدباء .
 ورد في بعض النصوص المفردات السلسة والمؤدية المعنى البعيدة عن التعقيدات اللغوية ، وهناك نصوص مالت للرمز والضبابية ناهيك عن كثرة التساؤلات التي لم تجد لها أجوبة وهي دلالة على فقدان الوحدة الموضوعية رغم أننا نؤمن أن النصوص النثرية لا تعتمد الوحدة الموضوعية لكثرة الإيحاء والرمز كما أن كاتبها يجمع أكثر من موضوع وأكثر من معنى في ذات النص، وربما يعود السبب في ذلك إلى عدم الالتزام بالقواعد الرصينة والتي وضعت من أجل الحفاظ على الكثير والذي يطول شرحه .
قالت في أحد الومضات :
ولك في مرآتي
زاوية تملكتها
أحاورها .. أمازحها
أتراقص أمامها
وأرتجف لحظة تلاقي العيون
لقاءات أتمناها أبدية
مونتاج لمشهد وهي تقف أمام المرآة وتجسد حكايتها مع المرآة ..
وفي أخرى قالت :
لا أعرف كيف أكتفي منك
كلّ ما اعرفه هو احتياجي
لمزيد من القلوب النقية 
لأحبك كما يليق بك
فقلب واحد 
لم يعد يفي .. 
يؤلمني..
تجسيد لأعلى درجات الحب وأتساع لرقعته فقلب واحد لا يكفي لحبها المتوهج بداخلها ...
المحركات والمنظومات النتاجية عند خولة عاملة وفقا لمشاهد أو حكايات أو طبيعة تحيط بها أو مواقف حياتية تمر بها وهذه المنظومات المحرك الأساسي لها هو ما يدور حولها وهو تأثير بيئي مفروض عليها ، ولكن للخيال الدور الفاعل فقد ورد الكثير من الكتابات الصادرة من خيال بعيد محلق عاليا محصلته الجمال والإبداع ....
قالت في خريطة ثائرة :
جنونه الدائم لحظة عناق
رسم خريطة أخرى للحب
وهل للحب خرائط ؟ ... 
هي أكدت أن للحب خرائط بالفعل (رسم ) الدال على وقوع الحدث في زمن مضى ، فعلام تستفهم ( هل للحب خرائط )
ولو بدلت الفعل (رسم) بالفعل (صنع) لكان أقوى للمعنى ولو أضافت مفردة (معينة ) وهل للحب خرائط معينة لكان أقوى ...
لم يخلُ المؤلف من الاقتباسات القرآنية والشعرية قالت :
بربك لا تسرق نبضي
بل احقنه بنبضك
نورا معتقا
ليصبح كونا مدججا بالحب
سلامٌ أنت حتى مطلع الفجر
..................................
وهناك أبعاد فلسفية روحية قد يكون للنقاء الدور الفاعل في كتابتها 
قالت :
عندما رشقتني عيناه
قالت شيئا عصيّا بداية
بعدها أدركت 
أنه من مواليد 1500 قبل الميلاد
وعليّ أن ألملم أبجدية الجسد المقفى بعبق النور ..
لقد استطاعت خولة أن تجسد واقعا عربيا مؤلما محاولة منها لإيجاد الحلول أو معالجة للذي يدور حولنا من واقع مرير يعصف ببلادنا العربية وقد وجدنا ذلك في - أنا ومالكي الحزين – 
 نترقب .. ننتظر 
إلى متى نطأطئ الرأس ؟
راجين قطرات المطر
لتسد بعضا من الرمق
إلى متى
سنبقى خانعين جاثين
نرجو الرحمة المغفرة الخلاص
هل سيستجيب ؟
ونحن بهذا الخنوع !
اللحظة الشعرية عند خولة كانت ممزوجة مع العصر مولودة من رحمه في أغلب ما كتبت وبهذا تولدت قدرة التعبير وحدث التطابق بين الرؤى والواقع بغض النظر عن نوعية الكتابة وقواعدها في الشعر العربي الرصين ، والدليل أننا حين وقفنا على بعض النصوص وجدنا موسيقاها متناسقة ولكن من دون دراية الكاتبة وهذا بحد ذاته دليل على الموهبة ولكن الموهبة والسليقة السليمة لا تكفي من دون صقل ومثال ذلك .
دَعني 
وغبائي لا تقربْ
دَعني  ...... بحر المتدارك
********
باتتْ تغلي 
باتتْ تزأرْ
دَعني 
والخطوةُ أمشيها ...... بحر المتدارك
تتحجَّرُ أرضي
دَعني 
وقد ورد بيتان جميلان من بحر البسيط

إنّ الذين إذا ما المـوجُ أرسـاهم تراقصَ الدَّمعُ يروي بسمةَ المقـلِ
يروي حكايــــــةَ ودٍ طالما عَزفتْ وغرّدتْ وبــَدتْ لحنًا من العسلِ

وهناك الكثير مما وقفنا عليه ودلّ على صحة النسق الموسيقي وتلك سليقة ستأتي بثمارها مستقبلا إذا ما هذبتها وصقلتها .
وظفت خولة عبيد.. الطبيعة بطريقة جميلة فكانت أغلب الصور من الطبيعة واستخدمت الأفعال بكثرة وقد يحسب لها إذا ما توافقت هذه الأفعال مع دلالاتها وقد يحسب عليها إذا لم تؤدِ دلالاتها وهو أمرٌ مهم جدا وللغاية ندعوها للوقوف عليه ، ونكرر أن أغلب كتاباتها مالت للقصصية والسرد ونحن نؤكد أن عليها الابتعاد عن هذا التقوقع لأن السرد والقص والحكي من فنون الروي وليس الشعر ، طبع الكتاب بمصر العربية دار النخبة للنشر والتوزيع ووقع في 160 صفحة 
مبارك وإلى مزيد من التألق والنجاح. 





Share To: