كل ليلة ، و بعد ان ينتشي كل القراء بِآخر قصيدة سقاهم اٌِياها الشاعر و احتسوها بشغف و تلذذ...يبيت الشاعر مرة اخرى على قريحة ذابلة…و على مخيال يجدب مع اٌُفول كل قصيدة غازية.
يبيت الشاعر وحيدا بين ركام قصاءده القديمة ، يستجلب الغيث ، يحاول ان يقترض من الليل اقحوانة شعر و باقة شقائق نعمان صوفية في جوف الشتاء و سطوة الزمهرير .
ينظر حوله ، لا ياْْتيه سوى صدى معاني صدءة اٌُجْتُرِحَتْ رغما عنه هنا... ذكريات عبارات ، كانت حتى الأمس فاتنة ، اخترقت تعابيره في غفلة منه هناك...كلمات قليلة متناثرة بين صفحات دفاتر عتيقة ، ولدت بمحض الصدفة من رحم المحاولات العديدة لوصف شيء قديم في حُلَّةِِ جديدة عفوية و اٌنيقة ، تلمع يتيمة بعيدا في أطراف سماوات الكلمات و تتبارق وحيدة في صحاري أديم المشتقات ...
لا يدري من أين سيصيد كلمات رشيقات كفراشات ربيعٍ بُحْتُرِيٍّ يسد بها رمق قراءه النهمين...
و لا كيف عليه ان يعاني ليعتصر معاني يانعة يسكبها مُعَتَّقَةً من حبر قلمه المكسور، يطفىء بها عطش البعض منهم اٌِلى شراب اكثر روحية من الشراب...
لا يدري بِاٌيِّ كلمة سيعلن بدء انجلاء بياض الصفحة المظلم،
ولا بِاٌَيّ نقرة سَيُحيي مَوات شاشة الحاسوب الشاخص أمامه ، و الذي يتحداه من وراء قبره الحديدي البارد بسخرية و صمت اٌَبْرَدْ.
الكلمات مهما كثرت فهي لا تتكاثر بنفس نسبة تكاثر الشعراء، و المعاني إذا اكتملت فتكرارها غير مفيد و لا هو جميل
ما العمل إذا، و قد أقبلت مرة اخرى ليالي الجدب العجاف و أدبرت مانحة الخِصْبِ و الإلهام
لا مناص من الحل الأخير
كما كل مرة...سيراقص الشاعر شيطان الشعر رقصة الموت و سيقايض على بعض من روحه...
و سيحترق كخيط الشمعة، مع هذالبعض من روحه، اٌَو ما تبقى من روحه ، من صِدْقهِ ، و من فرحه كي يقايض بهم اجتراحات و روٌَى عذبة و عذارى من وراء الشهب و النيازك
و كأي راسبوتين يحاول ان يزيل الألم عن الأمير الصغير المريض، على الشاعر اٌنْ يستجلب هذا الألم اليه هو...و يبادل شحنة اٌَلَمَ الأمير بِشُحنة أمله هو و ليس فقط شحنة عافيته...فالأمل في الشيء هو الشيء ذاته ...و الأمل في الحياة هو الحياة ...حتى ان الخالق عز و جل ساوى بين فقدان الأمل و الكفر "ولا تيأسوا من رَوْحِ الله اٌِنَّه لا يياٌَس من روح الله الا القوم الكافرون" 87 سورة يوسف ...فصار الاٌَمل رديفا للاٌِيمان .
و الأمل و الاٌلم ... تماما كالنور و الظلام طيفان من اطياف الخير و الشر، القوتان الساميتان و السياميتان في هذا الكون, لا يختفيان و لا ينتهيان... لا يلتقيان أبداً و لا يفترقان مطلقا ...يخبو الأمل فيستل الاٌلم مخالبه، يخلي الاٌلم موقعا و في نفس اللحظة تكون بذرة الاٌمل قد نبتت منذ الأزل و قاربت على الاٌِيناع... اٌَلمُ و بكاء المولود لحظة القدوم اٌِلى الدنيا تقابله فرحة الاٌُم مع دموعها و فرحة الاٌَب و افتخاره
نفس مجموع كمية النور و كذلك مجموع كميةالطاقة في الكون هو نفسه من لحظة الانفجار العظيم الى لحظة الانطفاء الأعظم و الاٌَخير.
و كذلك الألم، نفس مجموع كمية الالم الموجود في الكون منذ بدء الخلق الى لحظة نهايته هو نفسه لإنه صرخة الكون لحظة ولادته يتردد صداها عبر العصور و الاماكن... الاختلاف فقط في نقط الانطلاق و مواقع الاستقبال و درجات التركيز
الاٌَمل و الاٌَلم فقط يتحولان و يتحوران... يتجاذبان و يتبادلان المواقع من جسدٍ مُسْتَقْبِلْ الى آخَرْ ، و من نقطة انطلاق الى اخرى في مد و جزر بلا سلام او استسلام، انطلاق بلا انقطاع ، سَفَرُُ بلا وصول، تموقع داءم …تجاذب اٌَبدي و تقابل اٌَزلي
آلام الاٌبناء توارثوها من الأجداد عن طريق الآباء، و هم بدورهم سيورثونها احفادهم...لا تورثوا ابناءكم كل دموعكم فالحياة مِدْرارةُُ للدموع بدون نظير و سخية مع الجميع بدون تمييز...أورثوا أبناءكم مقابل كل دمعة فرحتان
الدمعة مهما صغرت هي اكبر تفصيل،
هي حشرجة الموت الاولى
و ربما آخر شهقة الحياة
لايمكننا ان نلغي الألم تماما من الوجود، و لكن يمكننا، كل حسب نوع و درجة تحمله للألم، ان نحاول كل لحظة تشارك و استقبال ألم الآخرين ، كي نقلل من درجة و كثافة تركيز الألم عند البعض منا ...كي لا يفقدوا الأمل. و هنا يكفي فقط أن نبدأ بالإحساس الصادق و العميق بآلام و عذابات الآخرين الغير قادرين، ، المهمشين، المنسيين، و المُهَجَّرين...حينها نكون قد اجتزنا نقطة اللاعودة نحو أجمل نسخة من أنفسنا و عَبَرْنَا بجدارة نهر الروبيكون الذي يفصلنا عن المدينة الفاضلة
"فكر بغيرك ، و انت تعد فطورك" كما قال ذلك الفلسطيني الشريد محمود درويش
و هذا ليس في صالح الآخرين فقط بل هو في صالحنا أيضا لان اٌَي تركيز عالي الكثافة في أي جهة ما سيتوجه عاجلا أم آجلا الى الجهة ذات التركيز المنخفض الكثافة و لكن بانفجار و دمار و ليس ببناء و إعمار...هذا من أقانيم الكون و نواميس الوجود، في الفيزياء ، في الكهرباء، و كذلك في دورات التاريخ و في حركية المجتمعات.
xxxxxxxx
قبل البدء
الشاعر يستجلب آلام و عذابات الجميع الى مدفأة روحه، حيث تواصل الاٌنين ريثما ياخذها معه في سَفَرِهِ الاٌَخير
لا يواريها التراب في ظلام الانتظار
هو يتوسدها في غفوته الطويلة
لترويض وحشة قبره الأطول
ينادي الشاعر على دموع اليتامى و المحرومين كل يوم عيد
و يطلب منها الصفح و الغفران
و على حشرجة القتلى و أنَّات المهمشين و آهات العاشقين
و يمنحها همسة الحب
و قبلة الحياة عبر الكلمات
رغم المسافات ، و رغم السنوات
يمنحها حياة بعد الممات
يمحو بعضا من ظلم فات و ينير حلكة ظلام آت...
يقايض الشاعر شيطان الشعر على ثمن تحمل بعض من هذه العذابات ...بضع كلمات عذبة برشاقة الفراشات و معاني عذارى كفجر اليراقات ، اقحوانة شعر و شقاءق نعمان صوفية...يحكي بها تغريبة المعذبين ، و يرتل بها مناحات الصرعى و ذكريات المنسيين ، و كذلك آهات العاشقين...يهديها كلها في نفس اللحظة للجميع ..."حتى لا ننسى" كما قالت حنآ آردنت
سعادته لا تدوم سوى لحظات...
لا يهم
لا يزال قادرا على صيد الفراشات في جوف الشتاء
و استشراف الربيع في عز سطوة الزمهرير
و لا يزال قادرا على قطف الاٌُقحوان و شقاءق النعمان في غير نيسان...
————
Post A Comment: